أصابكم يومئذ فهو كائن لتمييز الثابتين على الإيمان والذين أظهروا النفاق (وَقِيلَ لَهُمْ) عطف على نافقوا داخل معه فى حيز الصلة أو كلام مبتدأ قال ابن عباس رضى الله عنهما هم عبد الله بن أبى وأصحابه حيث انصرفوا يوم أحد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم ودعاهم إلى القتال وذلك قوله تعالى (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) قال السدى ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا وقيل أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحريمكم إن لم تقاتلوا فى سبيل الله تعالى وترك العطف بين تعالوا وقاتلوا لما أن المقصود بهما واحد وهو الثانى وذكر الأول توطئة له وترغيب فيه لما فيه من الدلالة على التظاهر والتعاون (قالُوا) استئناف وقع جوابا عن سؤال ينسحب عليه الكلام كأنه قيل فماذا صنعوا حين خيروا بين الخصلتين المذكورتين فقيل قالوا (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) أى لو نحسن قتالا ونقدر عليه وإنما قالوه دغلا واستهزاء وإنما عبر عن نفى القدرة على القتال بنفى العلم به لما أن القدرة على الأفعال الاختيارية مستلزمة للعلم بها أو لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال أصلا وإنما هو إلقاء النفس إلى التهلكة وفى جعلهم التالى مجرد الاتباع دون القتال الذى هو المقصود بالدعوة دليل على كمال تثبطهم عن القتال حيث لا ترضى نفوسهم بجعله تاليا لمقدم مستحيل الوقوع (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) الضمير مبتدأ وأقرب خبره واللام فى للكفر وللإيمان متعلقة به وكذا يومئذ ومنهم وعدم جواز تعلق حرفين متحدين لفظا ومعنى بعامل واحد بلا عطف أو بدلية إنما هو فيما عدا أفعل التفضيل من العوامل لاتحاد حيثية عملها وأما أفعل التفضيل فحيث دل على أصل الفعل وزيادته جرى مجرى عاملين كأنه قيل قربهم للكفر زائدة على قربهم للإيمان وقيل تعلق الجارين به لشبههما بالظرفين أى هم للكفر يوم إذ قالوا ما قالوا أقرب منهم للإيمان فإنهم كانوا قبل ذلك يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة مؤذنة بكفرهم فلما انخذلوا عن عسكر المسلمين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليل سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين وقوله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها وذكر الأفواه والقلوب تصوير لنفاقهم وتوضيح لمخالفة ظاهرهم لباطنهم وما عبارة عن القول والمراد به إما نفس الكلام الظاهر فى اللسان تارة وفى القلب أخرى فالمثبت والمنفى متحدان ذاتا وإن اختلفا مظهرا وإما القول الملفوظ فقط فالمنفى حينئذ منشؤه الذى لا ينفك عنه القول أصلا وإنما عبر عنه به إبانة لما بينهما من شدة الاتصال أى يتفوهون بقول لا وجود له أو لمنشئه فى قلوبهم أصلا من الأباطيل التى من جملتها ما حكى عنهم آنفا فإنهم أظهروا فيه أمرين ليس فى قلوبهم شىء منهما أحدهما عدم العلم بالقتال والآخر الاتباع على تقدير العلم به وقد كذبوا فيهما كذبا بينا حيث كانوا عالمين به غير ناوين للاتباع بل كانوا مصرين مع ذلك على الانخذال عازمين على الارتداد وقوله عزوجل (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) زيادة تحقيق لكفرهم ونفاقهم ببيان اشتغال قلوبهم بما يخالف أقوالهم من فنون الشر والفساد إثر بيان خلوها عما يوافقها وصيغة التفضيل لما أن بعض ما يكتمونه من أحكام النفاق وذم المؤمنين وتخطئة آرائهم والشماتة بهم وغير ذلك يعلمه المؤمنون على وجه الإجمال وأن تفاصيل ذلك