(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧)
____________________________________
اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) الخ والتصريح بالقبلية لتأكيد الإشعار وتقوية المدار فإن قدم نزول كتابهم مما يؤيد تمسكهم به (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) من الطعن فى الدين الحنيف والقدح فى أحكام الشرع الشريف وصد من أراد أن يؤمن وتخطئة من آمن وما كان من كعب بن الأشرف وأضرا به من هجاء المؤمنين وتحريض المشركين على مضادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحو ذلك مما لا خير فيه (وَإِنْ تَصْبِرُوا) أى على تلك الشدائد والبلوى عند ورودها وتقابلوها بحسن التجمل (وَتَتَّقُوا) أى تتبتلوا إلى الله تعالى بالكلية معرضين عما سواه بالمرة بحيث يتساوى عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه (فَإِنَّ ذلِكَ) إشارة إلى الصبر والتقوى وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهما وبعد منزلتهما وتوحيد حرف الخطاب إما باعتبار كل واحد من المخاطبين وإما لأن المراد بالخطاب مجرد التنبيه من غير ملاحظة خصوصية أحوال المخاطبين (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) من معزوماتها التى يتنافس فيها المتنافسون أى مما يجب أن يعزم عليه كل أحد لما فيه من كمال المزية والشرف أو مما عزم الله تعالى عليه وأمر به وبالغ فيه يعنى أن ذلك عزمة من عزمات الله تعالى لابد أن تصبروا وتتقوا والجملة تعليل لجواب الشرط واقع موقعه كأنه قيل وإن تصبروا وتتقوا فهو خير لكم أو فافعلوا أو فقد أحسنتم أو فقد أصبتم فإن ذلك الخ ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى صبر المخاطبين وتقواهم فالجملة حينئذ جواب الشرط وفى إبراز الأمر بالصبر والتقوى فى صورة الشرطية من إظهار كمال اللطف بالعباد ما لا يخفى (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) كلام مستأنف سيق لبيان بعض أذياتهم وهو كتمانهم ما فى كتابهم من شواهد نبوته عليه الصلاة والسلام وغيرها وإذ منصوب على المفعولية بمضمر أمر به النبى صلىاللهعليهوسلم خاصة بطريق تجريد الخطاب إثر الخطاب الشامل له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين لكون مضمونه من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة فى إيجاب ذكرها على ما مر بيانه فى تفسير قوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ) الخ أى اذكر وقت أخذه تعالى (مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهم علماء اليهود والنصارى ذكروا بعنوان إيتاء الكتاب مبالغة فى تقبيح حالهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ) حكاية لما خوطبوا به والضمير للكتاب وهو جواب لقسم ينبئ عنه أخذ الميثاق كأنه قيل لهم بالله لتبيننه (لِلنَّاسِ) وتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التى من جملتها أمر نبوته عليه الصلاة والسلام وهو المقصود بالحكاية وقرىء بالياء لأنهم غيب (وَلا تَكْتُمُونَهُ) عطف على الجواب وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا كما فى قولك والله لا يقوم زيد وقيل اكتفى بالتأكيد فى الأول لأنه تأكيد له وقيل هو حال من ضمير المخاطبين إما على إضمار مبتدأ بعد الواو أى وأنتم لا تكتمونه وإما على رأى من جوز دخول الواو على المضارع المنفى عند وقوعه حالا أى لتبيننه غير كاتمين والنهى عن الكتمان بعد الأمر بالبيان