(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨)
____________________________________
إما للمبالغة فى إيجاب المأمور به وإما لأن المراد بالبيان المأمور به ذكر الآيات الناطقة بنبوته عليه الصلاة والسلام وبالكتمان المنهى عنه إلقاء التأويلات الزائغة والشبهات الباطلة وقرىء بالياء كما قبله (فَنَبَذُوهُ) النبذ الرمى والإبعاد أى طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثق بفنون التأكيد وألقوه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ولم يراعوه ولم يلتفتوا إليه أصلا فإن نبذ الشىء وراء الظهر مثل فى الاستهانة به والإعراض عنه بالكلية كما أن جعله نصب العين علم فى كمال العناية به وفيه من الدلالة على تحتم بيان الحق على علماء الدين وإظهار ما منحوه من العلم للناس أجمعين وحرمة كتمانه لغرض من الأغراض الفاسدة أو لطمع فى عرض من الأعراض الفانية الكاسدة ما لا يخفى وعن النبى صلىاللهعليهوسلم من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار وعن طاوس أنه قال لوهب بن منبه إنى أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب وقال والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أن الله سيعذبك وعن محمد بن كعب لا يحل لأحد من العلماء أن يسكت على علمه ولا يحل لجاهل أن يسكت على جهله حتى يسأل وعن على رضى الله عنه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (وَاشْتَرَوْا بِهِ) أى بالكتاب الذى أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه فإن ذكر نبذ الميثاق يدل على ذلك دلالة واضحة وإيقاع الفعل على الكل مع أن المراد به كتم بعضه كدلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ونحوها لما أن ذلك كتم للكل إذ به يتم الكتاب كما أن رفض بعض أركان الصلاة رفض لكلها أو بمنزلة كتم الكل من حيث إنهما سيان فى الشناعة واستجرار العقاب كما فى قوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) والاشتراء مستعار لاستبدال متاع الدنيا بما كتموه أى تركوا ما أمروا به وأخذوا بدله (ثَمَناً قَلِيلاً) أى شيئا تافها حقيرا من حطام الدنيا وأعراضها وفى تصوير هذه المعاملة بعقد المعاوضة لا سيما بالاشتراء المؤذن بالرغبة فى المأخوذ والإعراض عن المعطى والتعبير عن المشترى الذى هو العمدة فى العقد والمقصود بالمعاملة بالثمن الذى شأنه أن يكون وسيلة إليه وجعل الكتاب الذى حقه أن يتنافس فيه المتنافسون مصحوبا بالباء الداخلة على الآلات والوسائل من نهاية الجزالة والدلالة على كمال فظاعة حالهم وغاية قبحها بإيثارهم الدنىء الحقير على الشريف الخطير وتعكيسهم بجعلهم المقصد الأصلى وسيلة والوسيلة مقصدا ما لا يخفى جلالة شأنه ورفعة مكانه (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ويشترون صفته والمخصوص بالذم محذوف أى بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن (لا تَحْسَبَنَّ) الخطاب لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يصلح له (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أى بما فعلوا كما فى قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ويدل عليه قراءة أبى يفرحون بما فعلوا وقرىء بما آتوا بمعنى أعطوا وبما أوتوا أى أى بما أوتوه من علم التوراة. قال ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود حرفوا التوراة وفرحوا بذلك وأحبوا أن يوصفوا بالديانة والفضل روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سأل اليهود عن شىء مما فى التوراة فكتموا