الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا وقيل فرحوا بكتمان النصوص الناطقة بنبوته عليه الصلاة والسلام وأحبوا أن يحمدوا بأنهم متبعون ملة إبراهيم عليهالسلام فالموصول عبارة عن المذكورين أو عن مشاهيرهم وضع موضع ضميرهم والجملة مسوقة لبيان ما تستتبعه أعمالهم المحكية من العقاب الأخروى إثر بيان قباحتها وقد أدمج فيها بيان بعض آخر من شنائعهم وهو إصرارهم على ما هم عليه من القبائح وفرحهم بذلك ومحبتهم لأن يوصفوا بما ليس فيهم من الأوصاف الجميلة وقد نظم ذلك فى سلك الصلة التى حقها أن تكون معلومة الثبوت للموصول عند المخاطب إيذانا بشهرة اتصافهم بذلك وقيل هم قوم تخلفوا عن الغزو ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة فى ذلك واستحمدوا به وقيل هم المنافقون كافة وهو الأنسب بظاهر قوله تعالى (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) لشهرة أنهم كانوا يفرحون بما فعلوا من إظهار الإيمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان وهم عن فعله بألف معزل وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم فى الغاية القاصية من العداوة فالموصول عبارة عن طائفة معهودة من المذكورين وغيرهم فإن أكثر المنافقين كانوا من اليهود ولعل الأولى إجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتى بشىء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب ويود أن يمدحه الناس بما هو عار منه من الفضائل منتظما للمعهودين انتظاما أوليا وأيا ما كان فهو مفعول أول لتحسبن وقوله تعالى (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد له والفاء زائدة والمفعول الثانى قوله تعالى (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) أى ملتبسين بنجاة منه على أن المفازة مصدر ميمى ولا يضر تأنيثها بالتاء لما أنها مبنية عليها وليست للدلالة على الوحدة كما فى قوله[فلو لا رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد كانوا لنا بالموارد] ولا سبيل إلى جعلها اسم مكان على أن الجار متعلق بمحذوف وقع صفة لها أى بمفازة كائنة من العذاب لأنها ليست من العذاب وتقدير فعل خاص ليصح به المعنى أى بمفازة منجية من العذاب مع كونه خلاف الأصل تعسف مستغنى عنه وقرىء بضم الباء فى الفعلين على أن الخطاب شامل للمؤمنين أيضا وقرىء بياء الغيبة وفتح الباء فيهما على أن الفعل له عليه الصلاة والسلام أو لكل أحد ممن يتأتى منه الحسبان ومفعولاه كما ذكر وقرىء بضم الباء فى الثانى فقط على أن الفعل للموصول والمفعول الأول محذوف لكونه عين الفاعل والثانى بمفازة أى لا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم فائزين وقوله تعالى فلا يحسبنهم تأكيد للأول والفاء زائدة كما مر ويجوز أن يحمل الفعل الأول على حذف المفعولين معا اختصار الدلالة مفعولى الثانى عليهما على عكس ما فى قوله[بأى كتاب أو بأية سنة ترى حبهم عارا على وتحسب] حيث حذف فيه مفعولا الثانى لدلالة مفعولى الأول عليهما أو على أن الفعل الأول للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل حاسب ومفعوله الأول الموصول والثانى محذوف لدلالة مفعول الفعل الثانى عليه والفعل الثانى مسند إلى ضمير الموصول والفاء للعطف لظهور تفرع عدم حسبانهم على عدم حسبانه عليهالسلام ومفعولاه الضمير المنصوب وقوله تعالى (بِمَفازَةٍ) وتصدير الوعيد بنهيهم عن الحسبان المذكور للتنبيه على بطلان آرائهم الركيكة وقطع أطماعهم الفارغة حيث كانوا يزعمون أنهم ينجون بما صنعوا من عذاب الآخرة كما نجوا به من المؤاخذة الدنيوية وعليه كان مبنى فرحهم وأمانهيه عليهالسلام فللتعريض بحسبانهم المذكور لا لاحتمال وقوع الحسبان من جهته عليهالسلام (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بعد ما أشير