(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠)
____________________________________
إلى عدم نجاتهم من مطلق العذاب حقق أن لهم فردا منه لا غاية له فى المدة والشدة كما تلوح به الجملة الاسمية والتنكير التفخيمى والوصف (وَلِلَّهِ) أى خاصة (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيفما يشاء ويريد إيجادا وإعداما إحياء وإماته تعذيبا وإثابة من غير أن يكون لغيره شائبة دخل فى شىء من ذلك بوجه من الوجوه فالجملة مقررة لما قبلها وقوله تعالى (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقرير لاختصاص ملك العالم الجثمانى المعبر عنه بقطريه به سبحانه وتعالى فإن كونه تعالى قادرا على الكل بحيث لا يشذ من ملكوته شىء من الأشياء يستدعى كون ما سواه كائنا ما كان مقدورا له ومن ضرورته اختصاص القدرة به تعالى واستحالة أن يشاركه شىء من الأشياء فى القدرة على شىء من الأشياء فضلا عن المشاركة فى ملك السموات والأرض وفيه تقرير لما مر من ثبوت العذاب الأليم لهم وعدم نجاتهم منه أثر تقرير وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتربية المهابة والإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألولهية مع ما فيه من الإشعار باستقلال كل من الجملتين بالتقرير (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) جملة مستأنفة سيقت لتقرير ما سبق من اختصاصه تعالى بالسلطان القاهر والقدرة التامة صدرت بكلمة التأكيد اعتناء بتحقيق مضمونها أى فى إنشائها على ما هى عليه فى ذواتها وصفاتها من الأمور التى يحار فى فهم أجلاها العقول (وَالْأَرْضِ) على ما هى عليه ذاتا وصفة (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أى فى تعاقبهما فى وجه الأرض وكون كل منهما خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لحركات السموات وسكون الأرض أو فى تفاوتهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو فى اختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما فى الطول والقصر فإن البلاد القريبة من القطب الشمالى أيامها الصيفية أطول ولياليها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها وإما فى أنفسها فإن كرية الأرض تقتضى أن يكون بعض الأوقات فى بعض الأماكن ليلا وفى مقابله نهارا وفى بعضها صباحا وفى بعضها ظهرا أو عصرا أو غير ذلك والليل قيل إنه اسم جنس يفرق بين واحده وجمعه بالتاء كتمر وتمرة والليالى جمع جمع والصحيح أنه مفرد ولا يحفظ له جمع والليالى جمع ليلة وهو جمع غريب كأنهم توهموا أنها ليلاة كما فى كيكة وكياكى كأنها جمع كيكاة والنهار اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس قاله الراغب وقال ابن فارس هو ضياء ما بينهما وتقديم الليل على النهار إما لأنه الأصل فإن غرر الشهور تظهر فى الليالى وإما لتقدمه فى الخلفية حسبما ينبئ عنه قوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) أى نزيله منه فيخلفه (لَآياتٍ) اسم إن دخلته اللام لتأخره عن خبرها والتنكير للتفخيم كما وكيفا أى لآيات كثيرة عظيمة لا يقادر قدرها دالة على تعاجيب شنونه التى من جملتها ما مر من اختصاص الملك العظيم والقدرة التامة به سبحانه وعدم