(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١)
____________________________________
التعرض لما ذكر فى سورة البقرة من الفلك والمطر وتصريف الرياح والسحاب لما أن المقصود ههنا بيان استبداده تعالى بما ذكر من الملك والقدرة فاكتفى بمعظم الشواهد الدالة على ذلك وأما هناك فقد قصد فى ضمن بيان اختصاصه تعالى بالألوهية بيان اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة فنظمت دلائل الفضل والرحمة فى سلك دلائل التوحيد فإن ما فصل هناك من آيات رحمته تعالى كما أنه من آيات ألوهيته ووحدته (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أى لذوى العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم المتجردين عن العلائق النفسانية المتخلصين من العوائق الظلمانية المتأملين فى أحوال الحقائق وأحكام النعوت المراقبين فى أطوار الملك وأسرار الملكوت المتفكرين فى بدائع صنائع الملك الخلاق المتدبرين فى روائع حكمه المودعة فى الأنفس والآفاق الناظرين إلى العالم بعين الاعتبار والشهود المتفحصين عن حقيقة سر الحق فى كل موجود المثابرين على مراقبته وذكراه غير ملتفتين إلى شىء مما سواه إلا من حيث إنه مرآة لمشاهدة جماله وآلة لملاحظة صفات كماله فإن كل ما ظهر فى مظاهر الإبداع وحضر محاضر التكوين والاختراع سبيل سوى إلى عالم التوحيد ودليل قوى على الصانع المجيد ناطق بآيات قدرته فهل من سامع واع ومخبر بأنباء علمه وحكمته فهل له من داع يكلم الناس على قدر عقولهم ويرد جوابهم بحسب مقولهم يحاور تارة بأوضح عبارة ويلوح أخرى بألطف إشارة مراعيا فى الحوار إبهامهم وتصريحهم (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فتأمل فى هذه الشئون والأسرار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ). عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال هل لك يا عائشة أن تأذنى لى الليلة فى عبادة ربى فقلت يا رسول الله إنى لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك فقام إلى قربة من ماء فى البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلى فقرأ من القرآن وجعل يبكى حتى بلغ الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وجعل يبكى ثم رفع يديه فجعل يبكى حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكى فقال له يا رسول الله أتبكى وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ثم قال وما لى لا أبكى وقد أنزل الله تعالى على فى هذه الليلة إن فى خلق السموات والأرض الخ ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وروى ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها وعن على رضى الله عنه أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان إذا قام من الليل يتسوك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) الموصول إما موصول بأولى الألباب مجرور على أنه نعت كاشف له بما فى حيز الصلة وإما مفصول عنه مرفوع أو منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر هو القول المقدر قبل قوله تعالى (رَبَّنا) وفيه من تفكيك النظم الجليل ما لا يخفى وأيا ما كان فقد أشير بما فى حيز صلته أن