(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣)
____________________________________
الحكم الذى أجرى على الموصول ودواعى ثبوته له كذكرهم الله عزوجل فى عامة أوقاتهم وتفكرهم فى خلق السموات والأرض فإنهما مما يؤدى إلى اجتلاء تلك الآيات والاستدلال بها على المطلوب ولا ريب فى أن قولهم ذلك ليس من مبادى الاستدلال المذكور بل من نتائجه المترتبة عليه فاعتباره قيدا لما فى حيز الصلة مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل نعم هو حال من ذلك على تقدير كون الموصول مرفوعا أو منصوبا على المدح أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف إذ لا اشتباه فى أن قولهم ذلك من مبادى مدحهم ومحاسن مناقبهم وفى إبراز هذا القول فى معرض الحال دون الخبر إشعار بمقارنته لتفكرهم من غير تلعثم وتردد فى ذلك وقوله تعالى (سُبْحانَكَ) أى تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التى من جملتها خلق ما لا حكمة فيه اعتراض مؤكد لمضمون ما قبله وممهد لما بعده من قوله تعالى (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) فإن معرفة سر خلق العالم وما فيه من الحكمة البالغة والغاية الحميدة والقيام بما تقتضيه من الأعمال الصالحة وتنزيه الصانع تعالى عن العبث من دواعى الاستعاذة مما يحيق بالمخلين بذلك من وجهين أحدهما الوقوف على تحقق العذاب فالفاء لترتيب الدعاء على ما ذكر والثانى الاستعداد لقبول الدعاء فالفاء لتربيب المدعو أعنى الوقاية على ذلك كأنه قيل وإذ قد عرفنا سرك وأطعنا أمرك ونزهناك عما لا ينبغى فقنا عذاب النار الذى هو جزاء الذين لا يعرفون ذلك (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) مبالغة فى استدعاء الوقاية وبيان لسببه وتصدير الجملة بالنداء للمبالغة فى التضرع والجؤار وتأكيدها لإظهار كمال اليقين بمضمونها والإيذان بشدة الخوف وإظهار النار فى موضع الإضمار لتهويل أمرها وذكر الإدخال فى مورد العذاب لتعيين كيفيته وتبيين غاية فظاعته. قال الواحدى للإخزاء معان متقاربة يقال أخزاه الله أى أبعده وقيل أهانه وقيل أهلكه وقيل فضحه. قال ابن الأنبارى الخزى لغة الهلاك بتلف أو بانقطاع حجة أو بوقوع فى بلاء والمعنى فقد أخزيته خزيا لا غاية وراءه كقولهم من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك أى المرعى الذى لا مرعى بعده وفيه من الإشعار بفظاعة العذاب الروحانى ما لا يخفى وقوله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) نذييل لإظهار نهاية فظاعة حالهم ببيان خلود عذابهم بفقدان من ينصرهم ويقوم بتخليصهم وغرضهم تأكيد الاستدعاء ووضع الظالمين موضع ضمير المدخلين لذمهم والإشعار بتعليل دخولهم النار بظلمهم ووضعهم الأشياء فى غير مواضعها وجمع الأنصار بالنظر إلى جمع الظالمين أى ما لظالم من الظالمين نصير من الأنصار والمراد به من ينصر بالمدافعة والقهر فليس فى الآية دلالة على نفى الشفاعة على أن المراد بالظالمين هم الكفار (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) حكاية لدعاء آخر لهم مبنى على تأملهم فى الدليل السمعى بعد حكاية دعائهم السابق المبنى على التفكر فى الأدلة العقلية وتصدير مقدمة الدعاء بالنداء لإظهار كمال الضراعة والابتهال