(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤)
____________________________________
والتأكيد للإيذان بصدور المقال عنهم بوفور الرغبة وكمال النشاط والمراد بالنداء الدعاء وتعديتهما بإلى لتضمنهما معنى الإنهاء وباللام لاشتمالهما على معنى الاختصاص والمراد بالمنادى الرسول صلىاللهعليهوسلم وتنوينه للتفخيم وإيثاره على الداعى للدلالة على كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى الدانى والقاصى لما فيه من الإيذان برفع الصوت وينادى صفة لمناديا عند الجمهور كما فى قولك سمعت رجلا يقول كيت وكيت ولو كان معرفة لكان حالا منه كما إذا قلت سمعت زيدا يقول الخ ومفعول ثان لسمعنا عند الفارسى وأتباعه وهذا أسلوب بديع يصار إليه للمبالغة فى تحقيق السماع والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم وللتوسل إلى تفصيله واستحضار صورته وقد اختص النظم الكريم بمزية زائدة على ذلك حيث عبر عن المسموع منه بالمنادى ثم وصف بالنداء للإيمان على طريقة قولك سمعت متكلما يتكلم بالحكمة لما أن التفسير بعد الإبهام والتقييد بعد الإطلاق أوقع عند النفس وأجدر بالقبول وقيل المنادى القرآن العظيم (أَنْ آمِنُوا) أى آمنوا على أن أن تفسيرية أو بأن آمنوا على أنها مصدرية (بِرَبِّكُمْ) بما لككم ومتولى أموركم ومبلغكم إلى الكمال وفى إطلاق الإيمان ثم تقييده تفخيم لشأنه (فَآمَنَّا) أى فامتثلنا بأمره وأجبنا نداءه (رَبَّنا) تكرير للتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للاعتراف بربوبيته مع الإيمان به والفاء فى قوله تعالى (فَاغْفِرْ لَنا) لترتيب المغفرة أو الدعاء بها على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته فإن ذلك من دواعى المغفرة والدعاء بها (ذُنُوبَنا) أى كبائرنا فإن الإيمان يجب ما قبله (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) أى صغائرنا فإنها مكفرة عن مجتنب الكبائر (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أى مخصوصين بصحبتهم مغتنمين لجوارهم معدودين من زمرتهم وفيه إشعار بأنهم كانوا يحبون لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه والأبرار جمع بار أو بر كأصحاب وأرباب (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) حكاية لدعاء آخر لهم مسبوق بما قبله معطوف عليه لتأخر التحلية عن التخلية وتكرير النداء لما مر مرارا والمراد بالموعود الثواب وعلى إما متعلقة بالوعد كما فى قولك وعد الله الجنة على الطاعة أى وعدتنا على تصديق رسلك أو بمحذوف وقع صفة لمصدر مؤكد محذوف أى وعدتنا وعدا كائنا على ألسنة رسلك وقيل التقدير منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك ولا يخفى أن تقدير الأفعال الخاصة فى مثل هذه المواقع تعسف وجمع الرسل مع أن المنادى هو الرسولصلىاللهعليهوسلم وحده لما أن دعوته عليهالسلام لا سيما فى باب التوحيد وما أجمع عليه الكل من الشرائع منطوية على دعوة الكل فتصديقه تصديق لهم عليهمالسلام كيف لا وقد أخذ منهم الميثاق بالإيمان به عليهالسلام لقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ) الآية وكذا الموعود على لسانه من الثواب موعود على ألسنة الكل وإيثار الجمع لإظهار كمال الثقة بإنجاز الموعود بناء على كثرة الشهود (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) قصدوا بذلك تذكير وعده تعالى بقوله يوم لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه مظهرين أنهم ممن آمن معه رجاء للانتظام فى سلكهم يومئذ وقوله تعالى (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) تعليل لتحقيق ما نظموا فى سلك الدعاء وهذه الدعوات وما فى تضاعيفها من كمال الضراعة