(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥)
____________________________________
والابتهال ليست لخوفهم من إخلاف الميعاد بل لخوفهم من أن لا يكونوا من جملة الموعودين بتغير الحال وسوء الخاتمة والمآل فمرجعها إلى الدعاء بالتثبيت أو للمبالغة فى التعبد والخشوع والميعاد الوعد وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه البعث بعد الموت وفى الآثار عن جعفر الصادق من حزبه أمر فقال ربنا خمس مرات أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) الاستجابة بمعنى الإجابة وقال تاج القراء الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول وتتعدى باللام وبنفسها كما فى قوله [فلم يستجبه عند ذاك مجيب] وهو عطف على الاستئناف المقدر فيما سلف مترتب على ما فى حيزه من الأدعية كما أن قوله عزوجل (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) الخ عطف على قيل المقدر قبل آلآن أى قيل لهم آلآن آمنتم به ثم قيل الآية وكما أن قوله تعالى فى سورة الأعراف (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) معطوف على ما دل عليه معنى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) الخ كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع الخ ولا ضير فى اختلافهما صيغة لما أن صيغة المستقبل هناك للدلالة على الاستمرار المناسب لمقام الدعاء وصيغة الماضى ههنا للإيذان بتحقق الاستجابة وتقررها كما لا ضير فى الاختلاف بين قوله تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) وبين ما عطف عليه من قوله تعالى (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) كما سيأتى ويجوز أن يكون معطوفا على مضمر ينساق إليه الذهن أى دعوا بهذه الأدعية فاستجاب الخ وأما على تقرير كون المقدر حالا فهو عطف على يتفكرون باعتبار مقارنته لما وقع حالا من فاعله أعنى قوله تعالى ربنا ربنا الخ فإن الاستجابة مترتبة على دعواتهم لا على مجرد تفكرهم وحيث كانت هى من أوصافهم الجميلة المترتبة على أعمالهم بالآخرة استحقت الانتظام فى سلك محاسنهم المعدودة فى أثناء مدحهم وأما على تقدير كون الموصول نعتا لأولى الألباب فلا مساغ لهذا العطف أصلا لما عرفت من أن حق ما فى حيز الصلة أن يكون من مبادى جريان الحكم على الموصول وقد عرفت أن دعواتهم السابقة ليست كذلك فأين الاستجابة المتأخرة عنها وفى التعرض لعنوان الربوبية المبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميرهم من تشريفهم وإظهار اللطف بهم ما لا يخفى (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) أى بأنى وهكذا قرأ أبى رضى الله عنه والباء للسببية كأنه قيل فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم أى سنته السنية مستمرة على ذلك والالتفات إلى التكلم والخطاب لإظهار كمال الاعتناء بشأن الاستجابة وتشريف الداعين بشرف الخطاب والمراد تأكيدها ببيان سببها والإشعار بأن مدارها أعمالهم التى قدموها على الدعاء لا مجرد الدعاء وتعميم الوعد لسائر العاملين وإن لم يبلغوا درجة أولى الألباب لتأكيد استجابة الدعوات المذكورة والتعبير عن ترك الإثابة بالإضاعة مع أنه ليس بإضاعة حقيقية إذ الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه