عنها ضياعها لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه من القبائح وإبراز الإثابة فى معرض الأمور الواجبة عليه وقرىء بكسر الهمزة على إرادة القول أى قائلا أنى الخ فلا التفات حينئذ وقرىء لا أضيع بالتشديد ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لعامل أى عامل كائن منكم وقوله تعالى (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بيان لعامل وتأكيد لعمومه وقوله تعالى (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) جملة معترضة مبينة لسبب انتظام النساء فى سلك الرجال فى الوعد فإن كون كل منهما من الآخر لتشعبهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال بينهما أو لا تفاقهما فى الدين والعمل مما يستدعى الشركة والاتحاد فى ذلك. روى أن أم سلمة رضى الله عنها قالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إنى أسمع الله تعالى يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت وقوله تعالى (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) ضرب تفصيل لما أجمل فى العمل وتعداد لبعض أحاسن أفراده على وجه المدح والتعظيم أى فالذين هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر للدين وقوله تعالى (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) على الأول عبارة عن نفس الهجرة وعلى الثانى عن كيفيتها وكونها بالقسر والاضطرار (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أى بسبب إيمانهم بالله ومن أجله وهو متناول لكل أذية نالتهم من قبل المشركين (وَقاتَلُوا) أى الكفار فى سبيل الله تعالى (وَقُتِلُوا) استشهدوا فى القتال وقرىء بالعكس لما أن الواو لا تستدعى الترتيب أو لأن المراد قتل بعضهم وقتال آخرين إذ ليس المعنى على اتصاف كل فرد من أفراد الموصول المذكور بكل واحد مما ذكر فى حيز الصلة بل على اتصاف الكل بالكل فى الجملة سواء كان ذلك باتصاف كل فرد من الموصول بواحد من الأوصاف المذكورة أو باثنين منها أو بأكثر إما بطريق التوزيع أو بطريق حذف بعض الموصولات من البين كما هو رأى الكوفيين كيف لا ولو أدير الحكم على اتصاف كل فرد بالكل لكان قد أضيع عمل من اتصف بالبعض وقرىء وقتلوا بالتشديد (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) جواب قسم محذوف أى والله لأكفرن والجملة القسمية خبر للمبتدأ الذى هو الموصول وهذا تصريح بوعد ما سأله الداعون بخصوصه بعد ما وعد ذلك عموما وقوله تعالى (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إشارة إلى ما عبر عنه الداعون فيما قبل بقولهم وآتنا ما وعدتنا على رسلك وتفسير له (ثَواباً) مصدر مؤكد لما قبله فإن تكفير السيئات وإدخال الجنة فى معنى الإثابة وقوله تعالى (مِنْ عِنْدِ اللهِ) متعلق بمحذوف هو صفة له مبينة لشرفه أى لأثيبنهم إثابة كائنة أو تثويبا كائنا من عنده تعالى بالغا إلى المرتبة القاصية من الشرف وقوله تعالى (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله والإسم الجليل مبتدأ خبره عنده وحسن الثواب مرتفع بالظرف على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو هو مبتدأ ثان والظرف خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول والعندية عبارة عن الاختصاص به تعالى مثل كونه بقدرته تعالى وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال شىء يكون بحضرة أحد لا يد عليه لغيره فالاختصاص مستفاد من التمثيل سواء جعل عنده خبرا مقدما لحسن الثواب أولا وفى تصدير الوعد الكريم بعدم إضاعة العمل ثم تعقيبه بمثل هذا الإحسان الذى لا يقادر قدره من لطف المسلك المنبئ عن عظم شأن المحسن ما لا يخفى.