(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (١٩٨)
____________________________________
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) بيان لقبح ما أوتى الكفرة من حظوظ الدنيا وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها إثر بيان حسن ما أوتى المؤمنون من الثواب والخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم على أن المراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) أو على أن المراد نهى المؤمنين كما يوجه الخطاب إلى مداره القوم ورؤسائهم والمراد أفناؤهم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب من المؤمنين والنهى للمخاطب وإنما جعل للتقلب مبالغة أى لا تنظر إلى ما عليه الكفرة من السعة ووفور الحظ ولا تغتر بظاهر ما ترى منهم من التبسط فى المكاسب والمتاجر والمزارع. روى أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين فى رخاء ولين عيش فيقولون إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت وقرىء ولا يغرنك بالنون الخفيفة (مَتاعٌ قَلِيلٌ) خبر لمبتدأ محذوف أى هو متاع قليل لا قدر له فى جنب ما ذكر من ثواب الله تعالى قال عليهالسلام ما الدنيا فى الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع فإذن لا يجدى وجوده لواجديه ولا يضر فقدانه لفاقديه (ثُمَّ مَأْواهُمْ) أى مصيرهم الذى يأوون إليه لا يبرحونه (جَهَنَّمُ) التى لا يوصف عذابها وقوله تعالى (وَبِئْسَ الْمِهادُ) ذم لها وإيذان بأن مصيرهم إليها مما جنته أنفسهم وكسبته أيديهم والمخصوص بالذم محذوف أى بئس ما مهدوا لأنفسهم جهنم (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) بيان لكمال حسن حال المؤمنين غب بيان وتكرير له إثر تقرير مع زيادة خلودهم فى الجنات ليتم بذلك سرورهم ويزداد تبجحهم ويتكامل به سوء حال الكفرة وإيراد التقوى فى حيز الصلة للإشعار بكون الخصال المذكورة من باب التقوى والمراد به الاتقاء من الشرك والمعاصى فالموصول مبتدأ والظرف خبره وجنات مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو الظرف خبر لجنات والجملة خبر للموصول وخالدين فيها أى فى الجنات حال مقدرة من الضمير أو من جنات لتخصصها بالوصف والعامل ما فى الظرف من معنى الاستقرار (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقرىء بسكون الزاى وهو ما يعد للنازل من طعام وشراب وغيرهما قال أبو الشعر الضبى [وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا] وانتصابه على الحالية من جنات لتخصصها بالوصف والعامل فيه ما فى الظرف من معنى الاستقرار وقيل هو مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء من عند الله (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر وقوله تعالى (لِلْأَبْرارِ) متعلق بمحذوف هو صفة لخير أى ما عنده تعالى من الأمور المذكورة الدائمة خير كائن للأبرار أى مما يتقلب فيه الفجار من المتاع القليل الزائل والتعبير عنهم بالأبرار للإشعار بأن الصفات المعدودة من أعمال البر كما أنها من قبيل التقوى والجملة تذييل لما قبلها