(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢)
____________________________________
وقرىء تسألون من الثلاثى أى تسألون به غيركم وقد فسر به القراءة الأولى والثانية وحمل صيغة التفاعل على اعتبار الجمع كما فى قولك رأيت الهلال وتراءيناه وبه فسر عم يتساءلون على وجه وقرىء تسلون بنقل حركة الهمزة إلى السين (وَالْأَرْحامَ) بالنصب عطفا على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا وينصره قراءة تساءلون به وبالأرحام فإنهم كانوا يقرنونها فى السؤال والمناشدة بالله عزوجل ويقولون أسألك بالله وبالرحم أو عطفا على الاسم الجليل أى اتقوا الله والأرحام وصلوها ولا تقطعوها فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى وهو قول مجاهد وقتادة والسدى والضحاك والفراء والزجاج وقد جوز الواحدى نصبه على الإغراء أى والزموا الأرحام وصلوها وقرىء بالجر عطفا على الضمير المجرور وبالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره والأرحام كذلك أى مما يتقى أو يتساءل به ولقد نبه سبحانه وتعالى حيث قرنها باسمه الجليل على أن صلتها بمكان منه كما فى قوله تعالى (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وعنه عليهالسلام الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلنى وصله الله ومن قطعنى قطعه الله (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أى مراقبا وهى صيغة مبالغة من رقب يرقب رقبا ورقوبا ورقبانا إذا أحد النظر لأمر يريد تحقيقه أى حافظا مطلعا على جميع ما يصدر عنكم من الأفعال والأقوال وعلى ما فى ضمائركم من النيات مريدا لمجازاتكم بذلك وهو تعليل للأمر ووجوب الامتثال به وإظهار الاسم الجليل لتأكيده وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) شروع فى تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمرا ونهيا عقيب الأمر بنفسه مرة بعد أخرى وتقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام إذ الخطاب للأولياء والأوصياء وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب. واليتيم من مات أبوه من اليتم وهو الانفراد ومنه الدرة اليتيمة وجمعه على يتامى إما لأنه لما جرى مجرى الأسماء جمع على بتائم ثم قلب فقيل يتامى أو لأنه لما كان من وادى الآفات جمع على يتمى ثم جمع يتمى على يتامى والاشتقاق يقتضى صحة إطلاقه على الكبار أيضا واختصاصه بالصغار مبنى على العرف وأما قوله عليهالسلام لا يتم بعد الحلم فتعليم للشريعة لا تعيين لمعنى اللفظ أى لا يجرى على اليتيم بعده حكم الأيتام والمراد بإيتاء أموالهم قطع المخاطبين أطماعهم الفارغة عنها وكف أكفهم الخاطفة عن اختزالها وتركها على حالها غير متعرض لها بسوء حتى تأتيهم وتصل إليهم سالمة كما ينبئ عنه ما بعده من النهى عن التبدل والأكل لا الإعطاء بالفعل فإنه مشروط بالبلوغ وإيناس الرشد على ما ينطق به قوله تعالى (حَتَّى إِذا بَلَغُوا) الآية وإنما عبر عما ذكر بالإيتاء مجازا للإيذان بأنه ينبغى أن يكون مرادهم بذلك إيصالها إليهم لا مجرد ترك التعرض لها فالمراد بهم إما الصغار على ما هو المتبادر والأمر خاص بمن يتولى أمرهم من الأولياء والأوصياء وشمول حكمه لأولياء من كان بالغا عند نزول الآية بطريق الدلالة دون العبارة وأما من جرى عليه اليتم فى الجملة مجازا أعم من