أن يكون كذلك عند النزول أو بالغا فالأمر شامل لأولياء الفريقين صيغة موجب عليهم ما ذكر من حفظ أموالهم والتحفظ عن إضاعتها مطلقا وأما وجوب الدفع إلى الكبار فمستفاد مما سيأتى من الأمر به وقيل المراد بهم الصغار وبالإيتاء الإعطاء فى الزمان المستقبل وقيل أطلق اسمهم على الكبار بطريق الإتساع لقرب عهدهم باليتم حثا للأولياء على المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم أول ما بلغوا قبل أن يزول عنهم اسمهم المعهود فالإيتاء بمعنى الإعطاء بالفعل ويأباهما ما سيأتى من قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) الخ فإن ما فيه من الأمر بالدفع وارد على وجه التكليف الابتدائى لا على وجه تعيين وقته أو بيان شرطه فقط كما هو مقتضى القولين وأما تعميم الاسم للصغار والكبار مجازا بطريق التغليب مع تعميم الإيتاء للإيتاء حالا وللإيتاء مآلا وتعميم الخطاب لأولياء كلا الفريقين على أن من بلغ منهم فوليه مأمور بالدفع إليه بالفعل وأن من لم يبلغ بعد فوليه مأمور بالدفع إليه عند بلوغه رشيدا فمع ما سبق تكلف لا يخفى فالأنسب ما تقدم من حمل إيتاء أموالهم إليهم على ما يؤدى إليه من ترك التعرض لها بسوء كما يلوح به التعبير عن الإعطاء بالفعل بالدفع سواء أريد باليتامى الصغار أو ما يعم الصغار والكبار حسبما ذكر آنفا وأما ما روى من أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له فلما بلغ طلب منه ماله فمنعه فنزلت فلما سمعها قال أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فغير قادح فى ذلك لما أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) نهى عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص بعد النهى الضمنى عن أخذه على الإطلاق وتبدل الشىء بالشىء واستبداله به أخذ الأول بدل الثانى بعد أن كان حاصلا له أو فى شرف الحصول يستعملان أبدا بإفضائهما إلى الحاصل بأنفسهما وإلى الزائل بالباء كما فى قوله تعالى (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) الخ وقوله تعالى (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وأما التبديل فيستعمل تارة كذلك كما فى قوله تعالى (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) الخ وأخرى بالعكس كما فى قولك بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما نص عليه الأزهرى وتارة أخرى بإفضائه إلى مفعوليه بنفسه كما فى قوله تعالى (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) والمراد بالخبيث والطيب إن كان هو الحرام والحلال فالمنهى عنه استبدال مال اليتيم بمال أنفسهم مطلقا كما قاله الفراء والزجاج وقيل معناه لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا الحرام من أموالهم فالمنهى عنه أكل ماله مكان ما لهم المحقق أو المقدر وقيل هو اختزال ماله مكان حفظه وأيا ما كان فإنما عبر عنهما بهما تنفيرا عما أخذوه وترغيبا فيما أعطوه وتصويرا لمعاملتهم بصورة ما لا يصدر عن العاقل وإن كان هو الردىء والجيد فمورد النهى ما كانوا عليه من أخذ الجيد من مال اليتيم وإعطاء الردىء من مال أنفسهم وبه قال سعيد بن المسيب والنخعى والزهرى والسدى وتخصيص هذه المعاملة بالنهى لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها وأما التعبير عنها بتبدل الخبيث بالطيب مع أنها تبديله به أو تبدل الطيب بالخبيث فللإيذان بأن الأولياء حقهم أن يكونوا فى المعاوضات عاملين لليتيم لا لأنفسهم مراعين لجانبه قاصدين لجلب المجلوب إليه مشترى كان أو ثمنا لا لسلب المسلوب عنه (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) نهى عن منكر آخر كانوا يتعاطونه أى لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم ولا تسووا بينهما وهذا حلال وذاك حرام وقد خص من ذلك مقدار أجر المثل عند كون