(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا) (٣)
____________________________________
الولى فقيرا (إِنَّهُ) أى الأكل المفهوم من النهى (كانَ حُوباً) أى ذنبا عظيما وقرىء بفتح الحاء وهو مصدر حاب حوبا وقرىء حابا وهو أيضا مصدر كقال قولا وقالا (كَبِيراً) مبالغة فى بيان عظم ذنب الأكل المذكور كأنه قيل من كبار الذنوب العظيمة لا من أفنائها (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) الإقساط العدل وقرىء بفتح التاء فقيل هو من قسط أى جار ولا مزيدة كما فى قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ) وقيل هو بمعنى أقسط فإن الزجاج حكى أن قسط يستعمل استعمال أقسط والمراد بالخوف العلم كما فى قوله تعالى (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) عبر عنه بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقى لأن الذى علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه وإلا لم يكن الأمر شاملا لمن يصر على الجور ولا يخافه وهذا شروع فى النهى عن منكر آخر كانوا يباشرونه متعلق بأنفس اليتامى أصالة وبأموالهم تبعا عقيب النهى عما يتعلق بأموالهم خاصة وتأخيره عنه لقلة وقوع المنهى عنه بالنسبة إلى الأول ونزوله منه بمنزلة المركب من المفرد وذلك أنهم كانوا يتزوجون من تحل لهم من اليتامى اللاتى يلونهن لكن لا لرغبة فيهن بل فى ما لهن ويسيئون فى الصحبة والمعاشرة ويتربصون بهن أن يمتن فيرثوهن وهذا قول الحسن وقيل هى اليتيمة تكون فى حجر وليها فيرغب فى مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة نسائها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فى إكمال الصداق وأمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء وهذا قول الزهرى رواية عن عروة عن عائشة رضى الله عنها وأما اعتبار اجتماع عدد كثير منهن كما أطبق عليه أكثر أهل التفسير حيث قالوا كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال ويكون وليها فيتزوجها ضنابها عن غيره فربما اجتمعت عنده عشر منهن الخ فلا يساعده الأمر بنكاح غيرهن فإن المحذور حينئذ يندفع بتقليل عددهن أى وإن خفتم أن لا تعدلوا فى حق اليتامى إذا تزوجتم بهن بإساءة العشرة أو بنقص الصداق (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) ما موصولة أو موصوفة ما بعدها صلتها أو صفتها أو ثرت على من ذهابا إلى الوصف وإيذانا بأنه المقصود بالذات والغالب فى الاعتبار لا بناء على أن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء لإخلاله بمقام الترغيب فيهن وقرأ ابن أبى عبلة من طاب ومن فى قوله تعالى (مِنَ النِّساءِ) بيانية وقيل تبعيضية والمراد بهن غير اليتامى بشهادة قرينة المقام أى فانكحوا من استطابتها نفوسكم من الأجنبيات وفى إيثار الأمر بنكاحهن على النهى عن نكاح اليتامى مع أنه المقصود بالذات مزيد لطف فى استنزالهم عن ذلك فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه كما أن وصف النساء بالطيب على الوجه الذى أشير إليه فيه مبالغة فى الاستمالة إليهن والترغيب فيهن وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى وهو السر فى توجيه النهى الضمنى إلى النكاح المترقب مع أن سبب النزول هو النكاح المحقق لما فيه من المسارعة إلى دفع الشر قبل وقوعه