(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤)
____________________________________
الخطاب فظاهرها وإن اقتضى توجيه الخطاب الثانى إلى المشركين لكنه ليس بنص فى ذلك لأنه وإن اندفع به المحذور الأخير فالأول باق بحاله فلعل رؤية المشركين نزلت منزلة رؤية اليهود لما بينهم من الاتحاد فى الكفر والاتفاق فى الكلمة لا سيما بعد ما وقع بينهم بواسطة كعب بن الأشرف من العهد والميثاق فأسندت الرؤية إليهم مبالغة فى البيان وتحقيقا لعروض مثل تلك الحالة لهم فتدبر وقيل المراد جميع الكفرة ولا ريب فى صحته وسداده وقرىء يرونهم وترونهم على البناء للمفعول من الإراءة أى يريهم أو يريكم الله تعالى كذلك (رَأْيَ الْعَيْنِ) مصدر مؤكد ليرونهم إن كانت الرؤية بصرية أو مصدر تشبيهى إن كانت قلبية أى رؤية ظاهرة مكشوفة جارية مجرى رؤية العين (وَاللهُ يُؤَيِّدُ) أى يقوى (بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) أن يؤيده من غير توسيط الأسباب العادية كما أيد الفئة المقاتلة فى سبيله بما ذكر من النصر وهو من تمام القول المأمور به (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من رؤية القليل كثيرا المستتبعة لغلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكى السلاح وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه فى الفضل (لَعِبْرَةً) العبرة فعلة من العبور كالركبة من الركوب والجلسة من الجلوس والمراد بها الاتعاظ فإنه نوع من العبور أى لعبرة عظيمة كائنة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) لذوى العقول والبصائر وقيل لمن أبصرهم وهو إما من تمام الكلام الداخل تحت القول مقرر لما قبله بطريق التذييل وإما وارد من جهته تعالى تصديقا لمقالته عليه الصلاة والسلام (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) كلام مستأنف سيق لبيان حقارة شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها وتزهيد للناس فيها وتوجيه رغباتهم إلى ما عنده تعالى إثر بيان عدم نفعها للكفرة الذين كانوا يتعززون بها والمراد بالناس الجنس (حُبُّ الشَّهَواتِ) الشهوة نزوع النفس إلى ما تريده والمراد ههنا المشتهيات عبر عنها بالشهوات مبالغة فى كونها مشتهاة مرغوبا فيها كأنها نفس الشهوات أو إيذانا بانهما كهم فى حبها بحيث أحبوا شهواتها كما فى قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) أو استرذالا لها فإن للشهوة مسترذلة مذمومة من صفات البهائم والمزين هو البارى سبحانه وتعالى إذ هو الخالق لجميع الأفعال والدواعى والحكمة فى ذلك ابتلاؤهم قال تعالى (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ) الآية فإنها ذريعة لنيل سعادة الدارين عند كون تعاطيها على نهج الشريعة الشريفة وسيلة إلى بقاء النوع وإيثار صيغة المبنى للمفعول للجرى على سنن الكبرياء وقرىء على البناء للفاعل وقيل المزين هو الشيطان لما أن مساق الآية الكريمة على ذمها وفرق الجبائى بين المباحات فأسند تزيينها إليه تعالى وبين المحرمات فنسب تزيينها إلى الشيطان (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) فى محل النصب على أنه حال من الشهوات وهى مفسرة لها فى المعنى وقيل من لبيان الجنس وتقديم النساء على البنين لعراقتهن فى معنى الشهوة فإنهن حبائل الشيطان وعدم التعرض للبنات لعدم الاطراد فى حبهن (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) جمع قنطار وهو المال الكثير وقيل مائة ألف دينار وقيل ملء مسك ثور وقيل