صيغة الجمع للدلالة على شمول الرؤية لكل واحد واحد من آحاد الفئة والجملة فى محل الرفع على أنها صفة للفئة الأخيرة أو مستأنفة مبينة لكيفية الآية (مِثْلَيْهِمْ) أى مثلى عدد الرائين قريبا من ألفين إذ كانوا قريبا من ألف. كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وفيهم أبو سفيان وأبو جهل وكان فيهم من الخيل والإبل مائة فرس وسبعمائة بعير ومن أصناف الأسلحة عدد لا يحصى. عن محمد بن أبى الفرات عن سعد بن أوس أنه قال أسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه كم كنتم قال ثلثمائة وبضعة عشر قالوا ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا أو مثلى عدد المرئيين أى ستمائة ونيفا وعشرين حيث كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وكان صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمهاجرين على بن أبى طالب رضى الله عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة الخزرجى وكان فى العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو والآخر لمرثد بن أبى مرثد وست أدرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ من المسلمين أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أراهم الله عزوجل كذلك مع قلتهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم مددا لهم منه سبحانه كما أمدهم بالملائكة عليهمالسلام وكان ذلك عند التقاء الفئتين بعد أن قللهم فى أعينهم عند ترائيهما ليجترئوا عليهم ولا يهربوا من أول الأمر حين ينجيهم الهرب وقيل يرى الفئة الأولى الفئة الأخيرة مثلى أنفسهم مع كونهم ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ويطمئنوا بالنصر الموعود فى قوله تعالى (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) والأول هو الأولى لأن رؤية المثلين غير المتعينة من جانب المؤمنين بل قد وقعت رؤية المثل بل أقل منه أيضا فإنه روى أن ابن مسعود رضى الله عنه قال قد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ثم قللهم الله تعالى أيضا فى أعينهم حتى رأتهم عددا يسيرا أقل من أنفسهم. قال ابن مسعود رضى الله عنه لقد قللوا فى أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبى تراهم سبعين قال أراهم مائة فأسرنا منهم رجلا فقلناكم كنتم قال ألفا فلو أريد رؤية المؤمنين المشركين أقل من عددهم فى نفس الأمر كما فى سورة الأنفال لكانت رؤيتهم إياهم أقل من أنفسهم أحق بالذكر فى كونها آية من رؤيتهم مثليهم على أن إبانة آثار قدرة الله تعالى وحكمته للكفرة بإراءتهم القليل كثيرا والضعيف قويا وإلقاء الرعب فى قلوبهم بسبب ذلك أدخل فى كونها آية لهم وحجة عليهم وأقرب إلى اعتراف المخاطبين بذلك لكثرة مخالطتهم الكفرة المشاهدين للحال وكذا تعلق الفعل بالفاعل أشد من تعلقه بالمفعول فجعل أقرب المذكورين السابقين فاعلا وأبعدهما مفعولا سواء جعل الجملة صفة أو مستأنفة أولى من العكس هذا ما تقتضيه جزالة التنزيل على قراءة الجمهور ولا ينبغى جعل الخطاب لمشركى مكة كما قيل أما إن جعل الوعيد عبارة عن هزيمة بدر كما صرحوا به فظاهر لا سترة به وأما إن جعل عبارة عن هزيمة أخرى فلأن الفئة التى شاهدت تلك الآية الهائلة هم المخاطبون حينئذ فالتعبير عنهم بفئة مبهمة تارة وموصوفة أخرى ثم إسناد المشاهدة إليها مع كون إسنادها إلى المخاطبين أوقع فى إلزام الحجة وأدخل فى التبكيت مما لا داعى إليه وبهذا يتبين حال جعل الخطاب الثانى للمؤمنين وأما قراءة ترونهم بتاء