(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٦)
____________________________________
الأولياء بل هى متحققة بين أموالهم وأموال الأجانب فإذن لا وجه لاعتبارها أصلا وقرىء اللاتى واللواتى وقرىء قيما بمعنى قياما كما جاء عوذا بمعنى عياذا وقرىء قواما بكسر القاف وهو ما يقام به الشىء أو مصدر قاوم وقرىء بفتحها (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) أى واجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا وتتربحوا حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال وقيل الخطاب لكل أحد كائنا من كان والمراد نهيه عن أن يفوض أمر ماله إلى من لا رشد له من نسائه وأولاده ووكلائه وغير ذلك ولا يخفى أن ذلك مخل بجزالة النظم الكريم (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أى كلاما لينا تطيب به نفوسهم وعن سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج عدوهم عدة جميلة بأن تقولوا إذا صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم وكل ما سكنت إليه النفس لحسنه شرعا أو عقلا من قول أو عمل فهو معروف وما أنكرته لقبحه شرعا أو عقلا فهو منكر (وَابْتَلُوا الْيَتامى) شروع فى تعيين وقت تسليم أموال اليتامى إليهم وبيان شرطه بعد الأمر بإيتائها على الإطلاق والنهى عنه عند كون أصحابها سفهاء أى واختبروا من ليس منهم بين السفه قبل البلوغ بتتبع أحوالهم فى صلاح الدين والاهتداء إلى ضبط المال وحسن التصرف فيه وجربوهم بما يليق بحالهم فإن كانوا من أهل التجارة فبأن تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعا وابتياعا وإن كانوا ممن له ضياع وأهل وخدم فبأن تعطوهم منه ما يصرفونه إلى نفقة عبيدهم وخدمهم وأجرائهم وسائر مصارفهم حتى تتبين لكم كيفية أحوالهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) بأن يحتلموا لأنهم يصلحون عنده للنكاح (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أى شاهدتم وتبينتم وقرىء أحستم بمعنى أحسستم كما فى قول من قال [خلا أن العتاق من المطايا أحسن به وهن إليه شوس] (مِنْهُمْ رُشْداً) أى اهتداء إلى وجوه التصرفات من غير عجز وتبذير وتقديم الجار والمجرور على المفعول للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أو للاعتداد بمبدئيته له والتنوين للدلالة على كفاية رشد فى الجملة وقرىء بفتح الراء والشين وبضمهما (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) من غير تأخير عن حد البلوغ وفى إيثار الدفع على الإيتاء الوارد فى أول الأمر إيذان بتفاوتهما بحسب المعنى كما أشير إليه فيما سلف ونظم الآية الكريمة أن حتى هى التى تقع بعدها الجمل كالتى فى قوله[فما زالت القتلى تمج دماءها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل] وما بعدها جملة شرطية جعلت غاية للابتلاء وفعل الشرط بلغوا وجوابه الشرطية الثانية كأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز لا يدفع إليه ماله أبدا وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ينتظر إلى خمس وعشرين سنة لأن البلوغ بالسن ثمانى عشرة سنة فإذا زادت عليها سبع سنين وهى مدة معتبرة فى تغير أحوال الإنسان لما قاله عليه الصلاة