(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٥)
____________________________________
بتضمينه معنى التجافى والتجاوز ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لشىء أى كائن من الصداق وفيه بعث لهن على تقليل الموهوب (نَفْساً) تمييز والتوحيد لما أن المقصود بيان الجنس أى إن وهبن لكم شيئا من الصداق متجافيا عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم لكن عدل عن لفظ الهبة والسماحة إلى ما عليه النظم الكريم إيذانا بأن العمدة فى الأمر إنما هو طيب النفس وتجافيها عن الموهوب بالمرة (فَكُلُوهُ) أى فخذوا ذلك الشىء الذى طابت به نفوسهن وتصرفوا فيه تملكا وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية (هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه وقيل الهنىء الذى يلذه الأكل والمرىء ما يحمد عاقبته وقيل ما ينساغ فى مجراه الذى هو المرء وهو ما بين الحلقوم إلى فم المعدة سمى بذلك لمروء الطعام فيه أى إنسياغه ونصبهما على أنهما صفتان للمصدر أى أكلا هنيئا مريئا أو على أنهما حالان من الضمير المنصوب أى كلوه وهو هنىء مرىء وقد يوقف على كلوه ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين كأنه قيل هنأ ومرأ وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة فى الإباحة وإزالة التبعة. روى أن ناسا كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساقه إليها فنزلت (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) رجوع إلى بيان بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى وتفصيل ما أجمل فيما سبق من شرط إيتائها ووقته وكيفيته إثر بيان بعض الأحكام المتعلقة بأنفسهن أعنى نكاحهن وبيان بعض الحقوق المتعلقة بغيرهن من الأجنبيات من حيث النفس ومن حيث المال استطرادا والخطاب للأولياء نهوا أن يؤتوا المبذرين من اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها وإنما أضيفت إليهم وهى لليتامى لا نظرا إلى كونها تحت ولايتهم كما قيل فإنه غير مصحح لاتصافها بالوصف الآتى بل تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء فكأن أموالهم عين أموالهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسى والنسبى مبالغة فى حملهم على المحافظة عليها كما فى قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أى لا يقتل بعضكم بعضا حيث عبر عن بنى نوعهم بأنفسهم مبالغة فى زجرهم عن قتلهم فكأن قتلهم قتل أنفسهم وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء فقيل (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أى جعلها الله شيئا تقومون به وتنتعشون على حذف المفعول الأول فلو ضيعتموه لضعتم ثم زيد فى المبالغة حتى جعل ما به القيام قياما فكأنها فى أنفسها قيامكم وانتعاشكم وقيل إنما أضيفت إلى الأولياء لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم حيث لم يقصد بها الخصوصية الشخصية بل الجنسية التى هى معنى ما يقام به المعاش وتميل إليه القلوب ويدخر لأوقات الاحتياج وهى بهذا الاعتبار لا تختص باليتامى وأنت خبير بأن ذلك بمعزل من حمل الأولياء على المحافظة المذكورة كيف لا والوحدة الجنسية المالية ليست مختصة بما بين أموال اليتامى وأموال