(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) (١٥)
____________________________________
ذلك (حُدُودُ اللهِ) أى شرائعه المحدودة التى لا تجوز مجاوزتها (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى جميع الأوامر والنواهى التى من جملتها ما فصل ههنا وإظهار الاسم الجليل لما ذكر آنفا (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) نصب على الظرفية عند الجمهور وعلى المفعولية عند الأخفش (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صفة لجنات منصوبة حسب انتصابها (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة من مفعول يدخله وصيغة الجمع بالنظر إلى جمعية من بحسب المعنى كما أن إفراد الضمير بالنظر إلى إفراده لفظا (وَذلِكَ) إشارة إلى ما مر من دخول الجنات الموصوفة بما ذكر على وجه الخلود وما فيه من معنى البعد للإيذان بكمال علو درجته (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذى لا فوز وراءه وصف الفوز وهو الظفر بالخير بالعظم إما باعتبار متعلقه أو باعتبار ذاته فإن الفوز بالعظيم عظيم والجملة اعتراض (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ولو فى بعض الأوامر والنواهى قال مجاهد فيما اقتص من المواريث وقال عكرمة عن ابن عباس من لم يرض بقسم الله تعالى ويتعد ما قال الله تعالى وقال الكلبى يعنى ومن يكفر بقسمة الله المواريث ويتعد حدوده استحلالا والإظهار فى موقع الإضمار للمبالغة فى الزجر بتهويل الأمر وتربية المهابة (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) شرائعه المحدودة فى جميع الأحكام فيدخل فيها ما نحن فيه دخولا أوليا (يُدْخِلْهُ) وقرىء بنون العظمة فى الموضعين (ناراً) أى عظيمة هائلة لا يقادر قدرها (خالِداً فِيها) حال كما سبق ولعل إيثار الإفراد ههنا نظرا إلى ظاهر اللفظ واختيار الجمع هناك نظرا إلى المعنى للإيذان بأن الخلود فى دار الثواب بصفة الاجتماع أجلب للأنس كما أن الخلود فى دار العذاب بصفة الانفراد أشد فى استجلاب الوحشة (وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) أى وله مع عذاب الحريق الجسمانى عذاب آخر مبهم لا يعرف كنهه وهو العذاب الروحانى كما يؤذن به وصفه والجملة حالية (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) شروع فى بيان بعض آخر من الأحكام المتعلقة بالنساء إثر بيان أحكام المواريث واللآتى جمع التى بحسب المعنى دون اللفظ وقيل جمع على غير قياس والفاحشة الفعلة القبيحة أريد بها الزنا لزيادة قبحه والإتيان الفعل والمباشرة يقال أتى الفاحشة أى فعلها وباشرها وكذا جاءها ورهقها وغشيها وقرىء بالفاحشة فالإتيان بمعناه المشهور ومن متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل يأتين أى اللآتى يفعلن الزنا كائنات من نسائكم أى من أزواجكم كما فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) وقوله تعالى (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) وبه قال السدى (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) خبر للموصول والفاء للدلالة على سببية ما فى حيز الصلة للحكم أى فاطلبوا أن يشهد عليهن بإتيانها أربعة من رجال المؤمنين وأحرارهم (فَإِنْ شَهِدُوا) عليهن بذلك (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) أى فاحبسوهن فيها واجعلوها سجنا عليهن (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ) أى إلى أن يستوفى أرواحهن (الْمَوْتُ) وفيه تهويل للموت وإبراز له فى صورة من يتولى قبض الأرواح