(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٣)
____________________________________
كأنه قيل لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنه موجب للعقاب إلا ما قد مضى فإنه معفو عنه وقيل هو استثناء منقطع معناه لكن ما قد سلف لا مؤاخذة عليه لا أنه مقرر ويأباهما قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) فإنه تعليل للنهى وبيان لكون المنهى عنه فى غاية القبح مبغوضا أشد البغض وأنه لم يزل فى حكم الله تعالى وعلمه موصوفا بذلك ما رخص فيه لأمة من الأمم فلا يلائم أن يوسط بينهما ما يهون أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه (وَساءَ سَبِيلاً) فى كلمة ساء قولان أحدهما أنها جارية مجرى بئس فى الذم والعمل ففيها ضمير مبهم يفسره ما بعده والمخصوص بالذم محذوف تقديره وساء سبيلا سبيل ذلك النكاح كقوله تعالى (بِئْسَ الشَّرابُ) أى ذلك الماء وثانيهما أنها كسائر الأفعال وفيها ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير أنه وسبيلا تمييز والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب أو معطوفة على خبر كان محكية بقول مضمر هو المعطوف فى الحقيقة تقديره ومقولا فى حقه ساء سبيلا فإن ألسنة الأمم كافة لم تزل ناطقة بذلك فى الأعصار والأمصار قيل مراتب القبح ثلاث القبح الشرعى والقبح العقلى والقبح العادى وقد وصف الله تعالى هذا النكاح بكل ذلك فقوله تعالى (فاحِشَةً) مرتبة قبحه العقلى وقوله تعالى (وَمَقْتاً) مرتبة قبحه الشرعى وقوله تعالى (وَساءَ سَبِيلاً) مرتبة قبحه العادى وما اجتمع فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن وما يقصد به من التمتع بهن وبيان امتناع ورود ملك النكاح عليهن وانتفاء محليتهن له رأسا وأما حرمة التمتع بهن بملك اليمين فى المواد التى يتصور فيها قرار الملك كما فى بعض المعطوفات على تقدير رقهن فثابتة بدلالة النص لاتحاد المدار الذى هو عدم محلية أبضاعهن للملك لا بعبارته بشهادة سباق النظم الكريم وسياقه وإنما لم يوجب المدار المذكور امتناع ورود ملك اليمين عليهن رأسا ولا حرمة سببه الذى هو العقد أو ما يجرى مجراه كما أوجب حرمة عقد النكاح وامتناع ورود حكمه عليهن لأن مورد ملك اليمين ليس هو البضع الذى هو مورد ملك النكاح حتى يفوت بفوات محليته له كملك النكاح فإنه حيث كان مورده ذلك فات بفوات محليته له قطعا وإنما مورده الرقبة الموجودة فى كل رقيق فيتحقق بتحقق محله حتما ثم يزول بوقوع العتق فى المواد التى سبب حرمتها محض القرابة النسبية كالمذكورات ويبقى فى البواقى على حاله مستتبعا لجميع