(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) (٢٢)
____________________________________
والجملة حالية بإضمار قد لا معطوفة على الشرط أى وقد آتيتم التى تريدون أن تطلقوها (قِنْطاراً) أى مالا كثيرا (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) أى من ذلك القنطار (شَيْئاً) يسيرا فضلا عن الكثير (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) استئناف مسوق لتقرير النهى والتنفير عن المنهى عنه والاستفهام للإنكار والتوبيخ أى أتأخذونه باهتين وآثمين أو للبهتان والإثم فإن أحدهم كان إذا تزوج امرأة بهت التى تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك والبهتان الكذب الذى يبهت المكذوب عليه ويدهشه وقد يستعمل فى الفعل الباطل ولذلك فسر ههنا بالظلم وقوله عزوجل (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) إنكار لأخذه إثر إنكار وتنفير عنه غب تنفير وقد بولغ فيه حيث وجه الإنكار إلى كيفية الأخذ إيذانا بأنه مما لا سبيل له إلى التحقق والوقوع أصلا لأن ما يدخل تحت الوجود لا بد أن يكون على حال من الأحوال فإذا لم يكن لشىء حال أصلا لم يكن له حظ من الوجود قطعا وقوله عزوجل (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) حال من فاعل تأخذونه مفيدة لتأكيد النكير وتقرير الاستبعاد أى على أى حال أو فى أى حال تأخذونه والحال أنه قد جرى بينكم وبينهن أحوال منافية له من الخلوة وتقرر المهر وثبوت حق خدمتهن لكم وغير ذلك (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) عطف على ما قبله داخل فى حكمه أى أخذن منكم عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والمعاشرة أو ما أوثق الله تعالى عليهم فى شأنهن بقوله تعالى (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) أو ما أشار إليه النبى صلىاللهعليهوسلم بقوله أخذتموهن بأمانة الله واستحللم فروجهن بكلمة الله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) شروع فى بيان من يحرم نكاحها من النساء ومن لا يحرم وإنما خص هذا النكاح بالنهى ولم ينظم فى سلك نكاح المحرمات الآتية مبالغة فى الزجر عنه حيث كانوا مصرين على تعاطيه قال ابن عباس وجمهور المفسرين كان أهل الجاهلية يتزوجون بأزواج آبائهم فنهوا عن ذلك واسم الآباء ينتظم الأجداد مجازا فتثبت حرمة ما نكحوها نصا وإجماعا ويستقل فى إثبات هذه الحرمة نفس النكاح إذا كان صحيحا وأما إذا كان فاسدا فلا بد فى إثباتها من الوطء أو ما يجرى مجراه من التقبيل والمس بشهوة ونحوهما بل هو المثبت لها فى الحقيقة حتى لو وقع شىء من ذلك بحكم ملك اليمين أو بالوجه المحرم تثبت به الحرمة عندنا خلافا للشافعى فى المحرم أى لا تنكحوا التى نكحها آباؤكم وإيثار ما على من للذهاب إلى الوصف وقيل ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر (مِنَ النِّساءِ) بيان لما نكح على الوجهين (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء مما نكح مفيد للمبالغة فى التحريم بإخراج الكلام مخرج التعليق بالمحال على طريقة قوله[ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب] والمعنى لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا من ماتت منهن والمقصود سد طريق الإباحة بالكلية ونظيره قوله تعالى (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وقيل هو استثناء مما يستلزمه النهى ويستوجبه مباشرة المنهى عنه