(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠)
____________________________________
الله تعالى هذه الآية الكريمة فأسلم الرجلان (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أى لا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذى هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة وعن قتادة أنه شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى وقرىء إن الدين عند الله للإسلام وقرىء إن الدين الخ على أنه بدل من أنه بدل الكل إن فسر الإسلام بالإيمان أو بما يتضمنه وبدل الاشتمال إن فسر بالشريعة أو على أن شهد واقع عليه على تقدير قراءة إنه بالكسر كما أشير إليه (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) نزلت فى اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام الذى جاء به النبى صلىاللهعليهوسلم وأنكروا نبوته والتعبير عنهم بالموصول وجعل إيتاء الكتاب صلة له لزيادة تقبيح حالهم فإن الاختلاف ممن أوتى ما يزيله ويقطع شأفته فى غاية القبح والسماجة وقوله تعالى (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال أو أعم الأوقات أى وما اختلفوا فى حال من الأحوال أو فى وقت من الأوقات إلا بعد أن علموا بأنه الحق الذى لا محيد عنه أو بعد أن علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالحجج النيرة والآيات الباهرة وفيه من الدلالة على ترامى حالهم فى الضلالة ما لا مزيد عليه فإن الاختلاف بعد حصول تلك المرتبة مما لا يصدر عن العاقل وقوله تعالى (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أى حسدا كائنا بينهم وطلبا للرياسة لا لشبهة وخفاء فى الأمر تشنيع إثر تشنيع (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) أى بآياته الناطقة بما ذكر من أن الدين عند الله تعالى هو الإسلام ولم يعمل بمقتضاها أو بأية آية كانت من آياته تعالى على أن يدخل فيها ما نحن فيه دخولا أوليا (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) قائم مقام جواب الشرط علة له أى ومن يكفر بآياته تعالى فإنه تعالى يجازيه ويعاقبه عن قريب فإنه سريع الحساب أى يأتى حسابه عن قريب أو يتم ذلك بسرعة وإظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة وفى ترتيب العقاب على مطلق الكفر بآياته تعالى من غير تعرض لخصوصية حالهم من كون كفرهم بعد إيتاء الكتاب وحصول الاطلاع على ما فيه وكون ذلك للبغى دلالة على كمال شدة عقابهم (فَإِنْ حَاجُّوكَ) أى فى كون الدين عند الله الإسلام أو جادلوك فيه بعد ما أقمت عليهم الحجج (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ) أى أخلصت نفسى وقلبى وجملتى وإنما عبر عنها بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ومجمع معظم ما يقع به العبادة من السجود والقراءة وبه يحصل التوجه إلى كل شىء (لِلَّهِ) لا أشرك به فيها غيره وهو الدين القويم الذى قامت عليه الحجج ودعت إليه الآيات والرسل عليهمالسلام (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على المتصل فى أسلمت وحسن ذلك لمكان الفصل الجارى