(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٦٠)
____________________________________
به منكر والقياس وهو فى الحقيقة دليل على حجيته كيف لا ورد المختلف فيه إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو المعنى بالقياس ويؤيده الأمر به بعد الأمر بطاعة الله تعالى وبطاعة رسولهصلىاللهعليهوسلم فإنه يدل على أن الأحكام ثلاثة ثابت بالكتاب وثابت بالسنة وثابت بالرد إليهما بالقياس (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) متعلق بالأمر الأخير الوارد فى محل النزاع إذ هو المحتاج إلى التحذير من المخالفة وجواب الشرط محذوف عند جمهور البصريين ثقة بدلالة المذكور عليه أى إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردوه الخ فإن الإيمان بهما يوجب ذلك أما الإيمان بالله تعالى فظاهر وأما الإيمان باليوم الآخر فلما فيه من العقاب على المخالفة (ذلِكَ) أى الرد المأمور به (خَيْرٌ) لكم وأصلح (وَأَحْسَنُ) فى نفسه (تَأْوِيلاً) أى عاقبة ومآلا وتقديم خيريته لهم على أحسنيته فى نفسه لما مر من تعلق أنظارهم بما ينفعهم والمراد بيان اتصافه فى نفسه بالخيرية الكاملة والحسن الكامل فى حد ذاته من غير اعتبار فضله على شىء يشاركه فى أصل الخيرية والحسن كما ينبئ عنه التحذير السابق (أَلَمْ تَرَ إِلَىالَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تعجيبا له من حال الذين يخالفون ما مر من الأمر المحتوم ولا يطيعون الله ولا رسوله ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن وبما أنزل من قبله أعنى التوراة لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح ببيان كمال المباينة بين دعواهم وبين ما صدر عنهم وقرىء الفعلان على البناء للفاعل وقوله عزوجل (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) استئناف سيق لبيان محل التعجيب مبنى على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل ماذا يفعلون فقيل يريدون الخ روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقضى لليهودى فلم يرض به المنافق فدعاه إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال اليهودى قضى لى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يرض بقضائه فقال عمر للمنافق أهكذا قال نعم فقال عمر مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد ثم قال هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله فنزلت فهبط جبريل عليه الصلاة والسلام وقال إن عمر فرق بين الحق والباطل فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنت الفاروق فالطاغوت كعب بن الأشرف سمى به لإفراطه فى الطغيان وعداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو على التشبيه بالشيطان والتسمية باسمه أو جعل اختيار التحاكم إلى غير النبى صلىاللهعليهوسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان وقال الضحاك المراد بالطاغوت كهنة اليهود وسحرتهم وعن الشعبى أن المنافق دعا خصمه إلى كاهن فى جهينة فتحاكما إليه وعن السدى أن الحادثة وقعت فى قتيل بين بنى قريظة والنضير فتحاكم المسلمون من الفريقين إلى النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى المنافقون منهما إلا التحاكم إلى أبى بردة الكاهن الأسلمى فتحاكموا إليه فيكون الاقتصار حينئذ