(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦٥)
____________________________________
بالاعتذار الباطل والأيمان الفاجرة (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) بالتوبة والإخلاص وبالغوا فى التضرع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم وإنما قيل (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) على طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعته فى حيز القبول (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) لعلموه مبالغا فى قبول توبتهم والتفضل عليهم بالرحمة وإن فسر الوجدان بالمصادفة كان قوله تعالى (تَوَّاباً) حالا و (رَحِيماً) بدل منه أو حالا من الضمير فيه وأيا ما كان ففيه فضل ترغيب للسامعين فى المسارعة إلى التوبة والاستغفار ومزيد تنديم لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهور تباشير قبول التوبة وحصول الرحمة لهم ومشاهدتهم لآثارهما نعمة زائدة عليهما موجبة لكمال الرغبة فى تحصيلها وتمام الحسرة على فواتها (فَلا وَرَبِّكَ) أى فو ربك ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد النفى فى جوابه أعنى قوله (لا يُؤْمِنُونَ) لأنها تزاد فى الإثبات أيضا كما فى قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ونظائره (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أى يتحاكموا إليك ويترافعوا إليك وإنما جىء بصيغة التحكيم مع أنهصلىاللهعليهوسلم حاكم بأمر الله سبحانه إيذانا بأن حقهم أن يجعلوه حكما فيما بينهم ويرضوا بحكمه وإن قطع النظر عن كونه حاكما على الإطلاق (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أى فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه (ثُمَّ لا يَجِدُوا) عطف على مقدر ينساق إليه الكلام أى فتقضى بينهم ثم لا يجدوا (فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) ضيقا (مِمَّا قَضَيْتَ) أى مما قضيت به أو من قضائك وقيل شكا من أجله إذ الشاك فى ضيق من أمره (وَيُسَلِّمُوا) أى ينقادوا لأمرك ويذعنوا له (تَسْلِيماً) تأكيد للفعل بمنزلة تكريره أى تسليما تاما بظاهرهم وباطنهم يقال سلم لأمر الله وأسلم له بمعنى وحقيقته سلم نفسه له وأسلمها إذا جعلها سالمة له خالصة أى ينقادوا لحكمك إنقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم قيل نزلت فى شأن المنافق واليهودى وقيل فى شأن الزبير ورجل من الأنصار حين اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل فقال صلىاللهعليهوسلم اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصارى وقال لأن كان ابن عمتك فتغير وجه رسول الله ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك كان قد أشار على الزبير برأى فيه سعة له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمستوعب للزبير حقه فى صريح الحكم ثم خرجا فمرا على المقداد بن الأسود فقال لمن القضاء فقال الأنصارى قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودى كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه فى قضاء يقضى بينهم وايم الله لقد اذنبنا ذنبا مرة فى حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا فى طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس أما والله إن الله ليعلم منى الصدق لو أمرنى محمد أن أقتل نفسى لقتلتها. وروى أنه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر