(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧٠)
____________________________________
سبب النزول مع ما فيه من الإشارة إلى أن طاعته صلىاللهعليهوسلم متضمنة لطاعتهم لاشتمال شريعته على شرائعهم التى لا تتغير بتغير الأعصار روى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا يا نبى الله إن صرنا إلى الجنة تفضلنا بدرجات النبوة فلا نراك وقال الشعبى جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وهو يبكى فقال ما يبكيك يا فلان فقال يا رسول الله بالله الذى لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من نفسى وأهلى ومالى وولدى وإنى لأذكرك وأنا فى أهلى فيأخذنى مثل الجنون حتى أراك وذكرت موتى وأنك ترفع مع النبيين وإنى إن أدخلت الجنة كنت فى منزلة أدنى من منزلتك فلم يرد النبى صلىاللهعليهوسلم فنزلت وروى أن ثوبان مولى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن فى وجهه فسأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حاله فقال يا رسول الله ما بى من وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت فى منزل دون منزلك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام والذى نفسى بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وروى أن أنسا قال يا رسول الله الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم قال عليه الصلاة والسلام المرء مع من أحب (وَالصِّدِّيقِينَ) أى المتقدمين فى تصديقهم المبالغين فى الصدق والإخلاص فى الأقوال والأفعال وهم أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأماثل خواصهم المقربين كأبى بكر الصديق رضى الله عنه (وَالشُّهَداءِ) الذين بذلوا أرواحهم فى طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته (وَالصَّالِحِينَ) الصارفين أعمارهم فى طاعته وأموالهم فى مرضاته وليس المراد بالمعية الاتحاد فى الدرجة ولا مطلق الاشتراك فى دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى أرادو إن بعد ما بينهما من المسافة (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) الرفيق الصاحب مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب واللطافة فى المعاشرة قولا وفعلا فإن جعل أولئك إشارة إلى النبيين ومن بعدهم على أن ما فيه من معنى البعد لما مر مرارا فرفيقا إما تمييز أو حال على معنى أنهم وصفوا بالحسن من جهة كونهم رفقاء للمطيعين أو حال كونهم رفقاء لهم وإفراده لما أنه كالصديق والخليط والرسول يستوى فيه الواحد والمتعدد أو لأنه أريد حسن كل واحد منهم رفيقا وإن جعل إشارة إلى المطيعين فهو تمييز على معنى أنهم وصفوا بحسن الرفيق من النبيين ومن بعدهم لا بنفس الحسن فلا يجوز دخول من عليه كما يجوز فى الوجه الأول والجملة تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب والتشويق قيل فيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب قرىء وحسن بسكون السين (ذلِكَ) إشارة إلى ما للمطيعين من عظيم الأجر ومزيد الهداية ومرافقة هؤلاء المنعم عليهم أو إلى فضلهم ومزيتهم وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته فى الشرف وهو مبتدأ وقوله تعالى (الْفَضْلُ) صفته وقوله تعالى (مِنَ اللهِ) خبره أى ذلك الفضل العظيم من الله