(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٧٧)
____________________________________
ذلك لتأكيد رغبة المؤمنين فى القتال وتقوية عزائمهم عليه فإن ولاية الله تعالى علم فى العزة والقوة كما أن ولاية الشيطان مثل فى الذلة والضعف كأنه قيل إذا كان الأمر كذلك فقاتلوا يا أولياء الله أولياء الشيطان ثم صرح بالتعليل فقيل (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أى فى حد ذاته فكيف بالقياس إلى قدرة الله تعالى ولم يتعرض لبيان قوة جنابه تعالى إيذانا بظهورها قالوا فائدة إدخال كان فى أمثال هذه المواقع التأكيد ببيان أنه منذ كان كان كذلك فالمعنى إن كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) تعجيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من إحجامهم عن القتال مع أنهم كانوا قبل ذلك راغبين فيه حراصا عليه بحيث كادوا يباشرونه كما ينبىء عنه الأمر بكف الأيدى فإن ذلك مشعر بكونهم بصدد بسطها إلى العدو بحيث يكادون يسطون بهم قال الكلبى إن جماعة من أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم منهم عبد الرحمن بن عوف الزهرى والمقداد بن الأسود الكندى وقدامة بن مظعون الجمحى وسعد بن أبى وقاص الزهرى رضى الله تعالى عنهم كانوا يلقون من مشركى مكه قبل الهجرة أذى شديدا فيشكون ذلك إلى النبىصلىاللهعليهوسلم ويقولون ائذن لنافى قتالهم ويقول لهم النبى صلىاللهعليهوسلم كفوا أيديكم (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) فإنى لم أومر بقتالهم وبناء القول للمفعول مع أن القائل هو النبى صلىاللهعليهوسلم للإيذان بكون ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى ولأن المقصود بالذات والمعتبر فى التعجيب إنما هو كمال رغبتهم فى القتال وكونهم بحيث احتاجوا إلى النهى عنه وإنما ذكر فى حيز الصلة الأمر بكف الأيدى لتحقيقه وتصويره على طريقة الكناية فلا يتعلق ببيان خصوصية الآمر غرض وكانوا فى مدة إقامتهم بمكة مستمرين على تلك الحالة فلما هاجروا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وأمروا بالقتال فى وقعة بدر كرهه بعضهم وشق ذلك عليه لكن لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه بل نفورا عن الأخطار بالأرواح وخوفا من الموت بموجب الجبلة البشرية وذلك قوله تعالى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) الخ وهو عطف على قيل لهم كفوا أيديكم باعتبار مدلوله الكنائى إذ حينئذ يتحقق التباين بين مدلولى المعطوفين وعليه يدور أمر التعجيب كأنه قيل ألم تر إلى الذين كانوا حراصا على القتال فلما كتب عليهم كرهه بعضهم وقوله تعالى (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ) جواب لما على أن فريق مبتدأ ومنهم متعلق بمحذوف وقع صفة له ويخشون خبره وتصديره بإذا المفاجأة لبيان مسارعتهم إلى الخشية آثر ذى أثير من غير تلعثم وتردد أى فاجأ فريق منهم أن يخشوا الكفار أن يقتلوهم ولعل توجيه التعجيب إلى الكل مع صدور الخشية عن بعضهم للإيذان بأنه ما كان ينبغى أن يصدر عن أحدهم ما ينافى حالتهم الأولى وقوله تعالى (كَخَشْيَةِ اللهِ) مصدر مضاف إلى المفعول محله النصب على أنه حال من فاعل يخشون أى يخشونهم مشبهين لأهل خشية الله تعالى وقوله تعالى (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) عطف عليه بمعنى أو أشد خشية من أهل