(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨)
____________________________________
خشية الله أو على أنه مصدر مؤكد على جعل الخشية ذات خشية مبالغة كما فى جد جده أى يخشونهم خشية مثل خشية الله أو خشية أشد خشية من خشية الله وأيا ما كان فكلمة أو إما للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها وإما للإبهام على السامع وهو قريب مما فى قوله تعالى (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) يعنى أن من يبصرهم يقول إنهم مائة ألف أو يزيدون (وَقالُوا) عطف على جواب لما أى فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس وقالوا (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) فى هذا الوقت لا على وجه الاعتراض على حكمه تعالى والإنكار لإيجابه بل على طريق تمنى التخفيف (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) استزادة فى مدة الكف واستمهال إلى وقت آخر حذرا من الموت وقد جوز أن يكون هذا مما نطقت به ألسنة حالهم من غير أن يتفوهوا به صريحا (قُلْ) أى تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفانى وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقى (مَتاعُ الدُّنْيا) أى ما يتمتع وينتفع به فى الدنيا (قَلِيلٌ) سريع التقضى وشيك الانصرام وإن أخرتم إلى ذلك الأجل (وَالْآخِرَةُ) أى ثوابها الذى من جملته الثواب المنوط بالقتال (خَيْرٌ) أى لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات وإنما قيل (لِمَنِ اتَّقى) حثالهم على اتقاء العصيان والإخلال بمواجب التكليف (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى تجزون فيها ولا تنقصون أدنى شىء من أجور أعمالكم التى من جملتها مسعاكم فى شأن القتال فلا ترغبوا عنه والفتيل ما فى شق النواة من الخيط يضرب به المثل فى القلة والحقارة وقرىء يظلمون بالياء إعادة للضمير إلى ظاهر من (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) كلام مبتدأ مسوق من قبله تعالى بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المخاطبين اعتناء بإلزامهم إثر بيان حقارة الدنيا وعلو شأن الآخرة بواسطتهصلىاللهعليهوسلم فلا محل له من الإعراب أو فى محل النصب داخل تحت القول المأمور به أى أينما تكونوا فى الحضر والسفر يدرككم الموت الذى لأجله تكرهون القتال زعما منكم أنه من مظانه وتحبون القعود عنه على زعم أنه منجاة منه وفى لفظ الإدراك إشعار بأنهم فى الهرب من الموت وهو مجد فى طلبهم وقرىء بالرفع على حذف الفاء كما فى قوله [من يفعل الحسنات الله يشكرها] أو على اعتبار وقوع أينما كنتم فى موقع أينما تكونوا أو على أنه كلام مبتدأ وأينما تكونوا متصل بلا تظلمون أى لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا فى ملاحم الحروب ومعارك الخطوب (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) فى حصون رفيعة أو قصور محصنة وقال السدى وقتادة بروج السماء يقال شاد البناء وأشاده وشيده رفعه وقرىء مشيدة بكسر الياء وصفالها بفعل فاعلها مجازا كما فى قصيدة شاعرة ومشيدة من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص وجواب لو محذوف اعتمادا على دلالة