(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٧٩)
____________________________________
ما قبله عليه أى ولو كنتم فى بروج مشيدة يدرككم الموت والجملة معطوفة على أخرى مثلها أى لو لم تكونوا فى بروج مشيدة ولو كنتم الخ وقد اطرد حذفها لدلالة المذكور عليها دلالة واضحة فإن الشىء إذا تحقق عند وجود المانع فلأن يتحقق عند عدمه أولى وعلى هذه النكتة يدور ما فى لو الوصلية من التأكيد والمبالغة وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) كلام مبتدأ جىء به عقيب ما حكى عن المسلمين لما بينهما من المناسبة فى اشتمالهما على إسناد ما يكرهونه إلى بعض الأمور وكراهتهم له بسبب ذلك والضمير لليهود والمنافقين. روى أنه كان قد بسط عليهم الرزق فلما قدم النبى صلىاللهعليهوسلم المدينة فدعاهم إلى الإيمان فكفروا أمسك عنهم بعض الإمساك فقالوا ما زلنا نعرف النقص فى ثمارنا ومزارعنا منذ قدم هذا الرجل وأصحابه وذلك قوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) أى وإن تصبهم نعمة ورخاء نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبهم بلية من جدب وغلاء أضافوها إليك كما حكى عن أسلافهم بقوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) فأمر النبى صلىاللهعليهوسلم بأن يرد زعمهم الباطل ويرشدهم إلى الحق ويلقمهم الحجر ببيان إسناد الكل إليه تعالى على الإجمال إذ لا يجترئون على معارضة أمر الله عزوجل حيث قيل (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أى كل واحدة من النعمة والبلية من جهة الله تعالى خلقا وإيجادا من غير أن يكون لى مدخل فى وقوع شىء منهما بوجه من الوجوه كما تزعمون بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلا ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلى بها عقوبة كما سيأتى بيانه فهذا الجواب المجمل فى معنى ما قيل ردا على أسلافهم من قوله تعالى (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) أى إنما سبب خيرهم وشرهم أو سبب إصابة السيئة التى هى ذنوبهم عند الله تعالى لا عند غيره حتى يسندوها إليه ويطيروا به وقوله تعالى (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) الخ كلام معترض بين المبين وبيانه مسوق من جهته تعالى لتعييرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجيب من كمال غباوتهم والفاء لترتيبه على ما قبله وقوله تعالى (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) حال من هؤلاء والعامل فيها ما فى الظرف من معنى الاستقرار أى وحيث كان الأمر كذلك فأى شىء حصل لهم حال كونهم بمعزل من أن يفقهوا حديثا أو استئناف مبنى على سؤال نشأ من الاستفهام كأنه قيل ما بالهم وما ذا يصنعون حتى يتعجب منه أو يسأل عن سببه فقيل لا يكادون يفقهون حديثا من الأحاديث أصلا فيقولون ما يقولون إذ لو فقهوا شيئا من ذلك لفهموا هذا النص وما فى معناه وما هو أوضح منه من النصوص القرآنية الناطقة بأن الكل فائض من عند الله تعالى وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل والإحسان والبلية بطريق العقوبة على ذنوب العباد لا سيما النص الوارد عليهم فى صحف موسى وإبراهيم الذى وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى ولم يسندوا جناية أنفسهم إلى غيرهم وقوله تعالى (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) الخ بيان للجواب المجمل المأمور به واجراؤه