(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٨٠)
____________________________________
على لسان النبى صلىاللهعليهوسلم ثم سوق البيان من جهته عزوجل بطريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى كل واحد من الناس والالتفات لمزيد الاعتناء به والاهتمام برد مقالتهم الباطلة والإيذان بأن مضمونه مبنى على حكمة دقيقة حقيقة بأن يتولى بيانها علام الغيوب وتوجيه الخطاب إلى كل واحد منهم دون كلهم كما فى قوله تعالى (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) للمبالغة فى التحقيق بقطع احتمال سببية معصية بعضهم لعقوبة الآخرين أى ما أصابك من نعمة من النعم (فَمِنَ اللهِ) أى فهى منه تعالى بالذات تفضلا وإحسانا من غير استيجاب لها من قبلك كيف لا وأن كل ما يفعله المرء من الطاعات التى يفرض كونها ذريعة إلى إصابة نعمة ما فهى بحيث لا تكاد تكافئ نعمة حياته المقارنة لأدائها ولا نعمة إقداره تعالى إياه على أدائها فضلا عن استيجابها لنعمة أخرى ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) أى بلية من البلايا (فَمِنْ نَفْسِكَ) أى فهى منها بسبب اقترافها المعاصى الموجبة لها وإن كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى نازلة من عنده عقوبة كقوله تعالى (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) وعن عائشة رضى الله عنها ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وقيل الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كما قبله وما بعده لكن لا لبيان حاله صلىاللهعليهوسلم بل لبيان حال الكفرة بطريق التصوير ولعل ذلك لإظهار كمال السخط والغضب عليهم والإشعار بأنهم لفرط جهلهم وبلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب لا سيما بمثل هذه الحكمة الأنيقة (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) بيان لجلالة منصبه صلىاللهعليهوسلم ومكانته عند الله عزوجل بعد بيان بطلان زعمهم الفاسد فى حقه صلىاللهعليهوسلم بناء على جهلهم بشأنه الجليل وتعريف الناس للاستغراق والجار إما متعلق برسولا قدم عليه للاختصاص الناظر إلى قيد العموم أى مرسلا لكل الناس لا لبعضهم فقط كما فى قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) وإما بالفعل فرسولا حال مؤكدة وقد جوز أن يكون مصدرا مؤكدا كما فى قوله[لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول] أى بإرسال بمعنى رسالة (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أى على رسالتك بنصب المعجزات التى من جملتها هذا النص الناطق والوحى الصادق والالتفات لتربية المهابة وتقوية الشهادة والجملة اعتراض تذييلى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) بيان لأحكام رسالته صلىاللهعليهوسلم إثر بيان تحققها وثبوتها وإنما كان كذلك لأن الآمر والناهى فى الحقيقة هو الله تعالى وإنما هو صلىاللهعليهوسلم مبلغ لأمره ونهيه فمرجع الطاعة وعدمها هو لله سبحانه. روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال من أحبنى فقد أحب الله ومن أطاعنى فقد أطاع الله فقال المنافقون ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد غير الله ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت. والتعبير عنه صلىاللهعليهوسلم بالرسول دون الخطاب للإيذان بأن مناط كون طاعته صلىاللهعليهوسلم طاعة له تعالى ليس خصوصية ذاته صلىاللهعليهوسلم بل من حيثية رسالته وإظهار الجلالة لتربية المهابة وتأكيد وجوب الطاعة بذكر عنوان الألوهية وحمل الرسول على الجنس المنتظم له صلىاللهعليهوسلم انتظاما أوليا يأباه تخصيص الخطاب