(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦)
____________________________________
(ذلِكَ) إشارة إلى ما مر من التولى والإعراض وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (بِأَنَّهُمْ) أى حاصل بسبب أنهم (قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) باقتراف الذنوب وركوب المعاصى (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهى مقدار عبادتهم العجل ورسخ اعتقادهم على ذلك وهو نوا عليهم الخطوب (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من قولهم ذلك وما أشبهه من قولهم إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا أو إن الله تعالى وعد يعقوب عليهالسلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ولذلك ارتكبوا ما ارتكبوا من القبائح (فَكَيْفَ) رد لقولهم المذكور وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيد همهم وتهويل ما سيحيق بهم من الأهوال أى فكيف يكون حالهم (إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ) أى لجزاء يوم (لا رَيْبَ فِيهِ) أى فى وقوعه ووقوع ما فيه. روى أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر راية اليهود فيفضحهم الله عزوجل على رءوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أى جزاء ما كسبت من غير نقص أصلا كما يزعمون وإنما وضع المكسوب موضع جزائه للإيذان بكمال الاتصال والتلازم بينهما كأنهما شىء واحد وفيه دلالة على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد فى النار لأن توفية جزاء إيمانه وعمله لا تكون فى النار ولا قبل دخولها فإذن هى بعد الخلاص منها (وَهُمْ) أى كل الناس المدلول عليهم بكل نفس (لا يُظْلَمُونَ) بزيادة عذاب أو بنقص ثواب بل يصيب كلا منهم مقدار ما كسبه (قُلِ اللهُمَّ) الميم عوض عن حرف النداء ولذلك لا يجتمعان وهذا من خصائص الاسم الجليل كدخوله عليه مع حرف التعريف وقطع همزته ودخول تاء القسم عليه وقيل أصله يا الله أمنا بخير أى أقصدنا به فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته (مالِكَ الْمُلْكِ) أى مالك جنس الملك على الإطلاق ملكا حقيقيا بحيث تتصرف فيه كيفما تشاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة من غير مشارك ولا ممانع وهو نداء ثان عند سيبويه فإن الميم عنده تمنع الوصفية (تُؤْتِي الْمُلْكَ) بيان لبعض وجوه التصرف الدى تستدعيه مالكية الملك وتحقيق لاختصاصها به تعالى حقيقة وكون مالكية غيره بطريق المجاز كما ينبئ عنه إيثار الإيتاء الذى هو مجرد الإعطاء على التمليك المؤذن بثبوت المالكية حقيقة (مَنْ تَشاءُ) أى إيتاءه إياه (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أى نزعه منه فالملك الأول حقيقى عام ومملوكيته حقيقية والآخران مجازيان خاصان ونسبتهما إلى صاحبهما مجازية وقيل الملك الأول عام والآخران بعضان منه فتأمل وقيل المراد بالملك النبوة ونزعها نقلها من قوم إلى آخرين (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) أن تعزه فى الدنيا أو فى الآخرة أو فيهما بالنصر والتوفيق (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) أن تذله فى إحداهما أو فيهما من غير ممانعة من الغير ولا مدافعة (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) تعريف الخير التعميم وتقديم الخبر للتخصيص أى بقدرتك الخير كله لا بقدرة أحد غيرك تتصرف