(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (٨٦)
____________________________________
حكى سبب للأمر بالقتال وحده وبتحربض خلص المؤمنين والتحريض على الشىء الحث عليه والترغيب فيه قال الراغب كأنه فى الأصل إزالة الحرض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به أى رغبهم فى القتال ولا تعنف بهم وإنما لم يذكر المحرض عليه لغاية ظهوره وقوله تعالى (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عدة منه سبحانه وتعالى محققة الإنجاز بكف شدة الكفرة ومكرهم فإن ما صدر بلعل وعسى مقرر الوقوع من جهته عزوجل وقد كان كذلك حيث روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت فخرج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فى سبعين راكبا ووافوا الموعد وألقى الله تعالى فى قلوب الذين كفروا الرعب فرجعوا من مر الظهران وروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وافى بجيشه بدرا وأقام بها ثمانى ليال وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا كثيرا وقد مر فى سورة آل عمران (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) أى من قريش (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) أى تعذيبا وعقوبة تنكل من يشاهدها عن مباشرة ما يؤدى إليها والجملة اعتراض تذييلى مقرر لما قبلها وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة وتكرير الخبر لتأكيد التشديد وقوله تعالى (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) أى من ثوابها جملة مستأنفة سيقت لبيان أن له صلىاللهعليهوسلم فيما أمر به من تحريض المؤمنين حظا موفورا فإن الشفاعة هى التوسط بالقول فى وصول شخص إلى منفعة من المنافع الدنيوية أو الأخروية أو خلاصه من مضرة ما كذلك من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا والحسنة منها ما كانت فى أمر مشروع روعى بها حق مسلم ابتغاء لوجه الله تعالى من غير أن يتضمن غرضا من الأغراض الدنيوية وأى منفعة أجل مما قد حصل للمؤمنين بتحريضه صلىاللهعليهوسلم على الجهاد من المنافع الدنيوية والأخروية وأى مضرة أعظم مما تخلصوا منه بذلك من التثبط عنه ويندرج فيها الدعاء للمسلم فإنه شفاعة إلى الله سبحانه وعليه مساق آية التحية الآتية روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك وهذا بيان لمقدار النصيب الموعود (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) وهى ما كانت بخلاف الحسنة (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) أى نصيب من وزرها مساولها فى المقدار من غير أن ينقص منه شىء (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) أى مقتدرا من أقات على الشىء إذا اقتدر عليه أو شهيدا حفيظا واشتقاقه من القوت فإنه يقوى البدن ويحفظه والجملة تذييل مقرر لما قبلها على كلا المعنيين (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) ترغيب فى فرد شائع من أفراد الشفاعة الحسنة إثر ما رغب فيها على الإطلاق وحذر عما يقابلها من الشفاعة السيئة وإرشاد إلى توفية حق الشفيع وكيفية أدائه فإن تحية الإسلام من المسلم شفاعة منه لأخيه إلى الله تعالى والتحية مصدر حيى أصلها تحيية كتسمية من سمى