(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨٤)
____________________________________
كانوا يقفون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون وما يذرون فيه وقيل كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه فيعود ذلك وبالاعلى المؤمنين ولو ردوه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلى أولى الأمر وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع لعلم صحته وهل هو مما يذاع أو لا يذاع هؤلاء المذيعون وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولى الأمر أى يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم فمساق النظم الكريم حينئذ لبيان جناية تلك الطائفة وسوء تدبيرهم إثر بيان جناية المنافقين ومكرهم والخطاب فى قوله تعالى (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) للطائفة المذكورة على طريقة الالتفات أى لو لا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرشادكم إلى طريق الحق الذى هو المراجعة فى مظان الاشتباه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وأولى الأمر (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) وعملتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون ولم تهتدوا إلى سنن الصواب (إِلَّا قَلِيلاً) وهم أولو الأمر الواقفون على أسرار الكتاب الراسخون فى معرفة أحكامه فالاستثناء منقطع وقيل ولو لا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لا تبعتم الشيطان وبقيتم على الكفر والضلالة إلا قليلا منكم قد تفضل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى طريق الحق والصواب وعصمه من متابعة الشيطان كقس ابن ساعدة الأيادى وزيد بن عمر وبن نفيل وورقة بن نوفل وأضرابهم فالخطاب للكل والاستثناء متصل وقيل المراد بالفضل والرحمة النصرة والظفر بالأعداء أى ولو لا حصول النصر والظفر على التواتر والتتابع لا تبعتم الشيطان وتركتم الدين إلا قليلا منكم وهم أولوا البصائر الناقدة والنيات القوية والعزائم الماضية من أفاضل المؤمنين الواقفين على حقية الدين البالغين إلى درجة حق اليقين المستغنين عن مشاهدة آثار حقيته من الفتح والظفر وقيل إلا اتباعا قليلا (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بطريق الالتفات وهو جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم أى إذا كان الأمر كما حكى من عدم طاعة المنافقين وكيدهم وتقصير الآخرين فى مراعاة أحكام الإسلام فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا وقوله تعالى (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) أى إلا فعل نفسك استئناف مقرر لما قبله فإن اختصاص تكليفه صلىاللهعليهوسلم بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده وفيه دلالة على أن ما فعلوا من التثبط لا يضره صلىاللهعليهوسلم ولا يؤاخذ به وقيل هو حال من فاعل قاتل أى فقاتل غير مكلف إلا نفسك وقرىء لا تكلف بالجزم على النهى وقيل على جواب الأمر وقرىء بنون العظمة أى لا نكلفك إلا فعل نفسك لا على معنى لا نكلف أحدا إلا نفسك (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على الأمر السابق داخل فى حكمه فإن كون حال الطائفتين كما