(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (٨٣)
____________________________________
باطل لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى وقال أبو بكر الأصم إن هؤلاء المنافقين كانوا يتواطؤون فى السر على أنواع كثيرة من الكيد والمكر وكان الله تعالى يطلع الرسول صلىاللهعليهوسلم على ذلك ويخبره بها مفصلة فقيل لهم إن ذلك لو لم يحصل بإخبار الله تعالى لما اطرد الصدق فيه ولوقع فيه الاختلاف فلما لم يقع ذلك قط علم أنه بإعلامه تعالى هذا هو الذى يستدعيه جزالة النظم الكريم وأما حمل الاختلاف على التناقض وتفاوت النظم فى البلاغة بأن كان بعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعانى وبعضه على معنى فاسد غير ملتئم وبعضه بالغا حد الإعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته كما جنح إليه الجمهور فمما لا يساعده السباق ولا السياق ومن رام التقريب وقال لعل ذكره ههنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض فى الحكم بل لاختلاف فى الحكم والمصالح المقتضية لذلك فقد أبعد عن الحق بمراحل (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) يقال أذاع السر وأذاع به أى أشاعه وأفشاه وقيل معنى أذاعوا به فعلوا به الإذاعة وهو أبلغ من أذاعوه وهو كلام مسوق لدفع ما عسى يتوهم فى بعض المواد من شائبة الاختلاف بناء على عدم فهم المراد ببيان أن ذلك لعدم وقوفهم على معنى الكلام لا لتخلف مدلوله عنه وذلك أن ناسا من ضعفة المسلمين الذين لا خبرة لهم بالأحوال كانوا إذا أخبرهم الرسولصلىاللهعليهوسلم بما أوحى إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة يذيعونه من غير فهم لمعناه ولا ضبط لفحواه على حسب ما كانوا يفهمونه ويحملونه عليه من المحامل وعلى تقدير الفهم قد يكون ذلك مشروطا بأمور تفوت بالإذاعة فلا يظهر أثره المتوقع فيكون ذلك منشألتوهم الاختلاف فنعى عليهم ذلك وقيل (وَلَوْ رَدُّوهُ) أى ذلك الأمر الذى جاءهم (إِلَى الرَّسُولِ) أى عرضوه على رأيه صلىاللهعليهوسلم مستكشفين لمعناه وما ينبغى له من التدبير والالتفات لما أن عنوان الرسالة من موجبات الرد والمراجعة إلى رأيه صلىاللهعليهوسلم (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) وهم كبراء الصحابة البصراء فى الأمور رضى الله تعالى عنهم (لَعَلِمَهُ) أى لعلم الرادون معناه وتدبيره وإنما وضع موضع ضميرهم الموصول فقيل (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) للإيذان بأنه ينبغى أن يكون قصدهم برده إليهم استكشاف معناه واستيضاح فحواه أى لعلمه أولئك الرادون الذين يستنبطونه أى يتلقونه ويستخرجون علمه وتدبيره منهم أى من جهة الرسولصلىاللهعليهوسلم وأولى الأمر من صحابته رضوان الله عليهم أجمعين ولما فعلوا فى حقه ما فعلوا فلم يقع فيه ما وقع من الاشتباه وتوهم الاختلاف وقيل لعلمه الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها فكلمة من فى منهم بيانية وقيل إنهم كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل أذاعوا به وكانت إذاعتهم مفسدة ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى أولى الأمر لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستنبطونه أى يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها وقيل