(مِنَ الصَّلاةِ) ينبغى أن يكون مفعولا لتقصروا على زيادة من حسبما رآه الأخفش وأما على تقدير أن تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأى سيبويه أى شيئا من الصلاة فينبغى أن يصار إلى وصف الجزء بصفة الكل أو يراد بالقصر معنى الحبس يقال قصرت الشىء إذا حبسته أو يراد بالصلاة الجنس ليكون المقصور بعضا منها وهى الرباعيات أى فليس عليكم جناح فى أن تقصروا بعض الصلاة بتنصيفها وقرىء تقصروا من الإقصار وتقصروا من التقصير والكل بمعنى وأدنى مدة السفر الذى يتعلق به القصر عند أبى حنيفة مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشى الأقدام بالاقتصاد وعند الشافعى مسيرة يومين وظاهر الآية الكريمة التخيير وأفضلية الإتمام وبه تعلق الشافعى وبما روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه أتم فى السفر وعن عائشة رضى الله عنها أنها أتمت تارة وقصرت أخرى وعن عثمان رضى الله عنه أنه كان يتم ويقصر وعندنا يجب القصر لا محالة خلا ان بعض مشايخا سماه عزيمة وبعضهم رخصة إسقاط بحيث لا مساغ للإتمام لا رخصة ترفيه إذ لا معنى للتخيير بين الأخف والأثقل وهو قول عمر وعلى وابن عباس وابن عمر وجابر رضوان الله عليهم وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وقد روى عن عمر رضى الله عنه صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلىاللهعليهوسلم وعن أنس رضى الله عنه خرجنا مع النبى صلىاللهعليهوسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة وعن عمران بن حصين رضى الله عنه ما رأيت النبى صلىاللهعليهوسلم يصلى فى السفر إلا ركعتين وصلى بمكة ركعتين ثم قال أتموا فإنا قوم سفر وحين سمع بن مسعود أن عثمان رضى الله عنه صلى بمنى أربع ركعات استرجع ثم قال صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبى بكر رضى الله عنه بمنى ركعتين وصليت مع عمر رضى الله عنه بمنى ركعتين فليت حظى من أربع ركعات ركعتان متقبلتان وقد اعتذر عثمان رضى الله عنه عن إتمامه بأنه تأهل بمكة وعن الزهرى أنه إنما أتم لأنه أزمع الإقامة بمكة وعن عائشة رضى الله عنها أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرت فى السفر وزيدت فى الحضر وفى صحيح البخارى أنها قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين فى الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر وأما ما روى عنها من الإتمام فقد اعتذرت عنه وقالت أنا أم المؤمنين فحيث حللت فهى دارى وإنما ورد ذلك بنفى الجناح لما أنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا فى القصر فصرح بنفى الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا إليه كما فى قوله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) مع أن ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعى وقوله تعالى (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أى إن خفتم أن يتعرضوا لكم بما تكرهونه من القتال وغيره فليس عليكم جناح الخ وهو شرط معتبر فى شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة وأما فى حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقا لتظاهر السنن على مشروعيته حسبما وقفت على تفصيلها وقد ذكر الطحاوى فى شرح الآثار مسندا إلى يعلى بن أمية أنه قال قلت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه إنما قال الله فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقد