(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (١١٨)
____________________________________
ما تَوَلَّى) أى نجعله واليا لما تولاه من الضلال ونخذله بأن نخلى بينه وبين ما اختاره (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) أى ندخله إياها وقرىء بفتح النون من صلاه (وَساءَتْ مَصِيراً) أى جهنم وفيها دلالة على حجية الإجماع وحرمة مخالفته (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) قد مر تفسيره فيما سبق وهو تكرير للتأكيد والتشديد أو لقصة طعمة وقد مر موته كافرا. وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إنى شيخ منهمك فى الذنوب إلا أنى لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أواقع المعاصى جراءة على الله تعالى وما توهمت طرفة عين أنى أعجز الله هربا وإنى لنادم تائب مستغفر فما ترى حالى عند الله تعالى فنزلت (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة كما أنه افتراء وإثم عظيم ولذلك جعل الجزاء فى هذه الشرطية فقد ضل الخ وفيما سبق فقد افترى إثما عظيما حسبما يقتضيه سباق النظم الكريم وسياقه (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أى ما يعبدون من دونه عزوجل (إِلَّا إِناثاً) يعنى اللات والعزى ومناة ونحوها عن الحسن أنه لم يكن من أحياء العرب حى إلا كان لهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بنى فلان قيل لأنهم كانوا يقولون فى أصنامهم هن بنات الله وقيل لأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحلى ويزينونها على هيآت النسوان وقيل المراد الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله وقيل تسميتها إناثا لتأنيث أسمائها أو لأنها فى الأصل جماد والجمادات تؤنث من حيث إنها ضاهت الإناث لانفعالها وإيرادها بهذا الاسم للتنبيه على فرط حماقة عبدتها وتناهى جهلهم والإناث جمع أنثى كرباب وربى وقرىء على التوحيد وأنثا أيضا على أنه جمع أنيث كقليب وقلب أو جمع إناث كثمار وثمر وقرىء وثنا واثنا بالتخفيف والتثقيل جمع وثن كقولك أسد وأسد وآسد على الأصل وقلب الواو ألفا نحو أجوه فى وجوه (وَإِنْ يَدْعُونَ) وما يعبدون بعبادتها (إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) إذ هو الذى أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها فكانت طاعتهم له عبادة والمريد والمارد هو الذى لا يعلق بخير وأصل التركيب للملاسة ومنه صرح ممرد وشجرة مرداء للتى تناثر ورقها (لَعَنَهُ اللهُ) صفة ثانية لشيطانا (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) عطف على الجملة المتقدمة أى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن ولقد برهن على أن عبادة الأصنام غاية الضلال بطريق التعليل بأن ما يعبدونها ينفعل ولا