(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣١)
____________________________________
الخطب وهو تذييل لما قبله مبين لقوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) بأن ذاته المقدسة المتميزة عن سائر الذوات المتصفة مما لا يتصف به شىء منها من العلم الذاتى المتعلق بجميع المعلومات متصفة بالقدرة الذاتية الشاملة لجميع المقدورات بحيث لا يخرج من ملكوته شىء قط (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ) أى من النفوس المكلفة (ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) عندها بأمر الله تعالى وفيه من التهويل ما ليس فى حاضرا (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) عطف على ما عملت والإحضار معتبر فيه أيضا إلا أنه خص بالذكر فى الخير للإشعار بكون الخير مرادا بالذات وكون إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية (تَوَدُّ) عامل فى الظرف والمعنى تود وتتمنى يوم تجد صحائف أعمالها من الخير والشر أو أجزيتها محضرة (لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) أى بين ذلك اليوم (أَمَداً بَعِيداً) لغاية هو له وفى إسناد الودادة إلى كل نفس سواء كان لها عمل سىء أو لا بل كانت متمحضة فى الخير من الدلالة على كمال فظاعة ذلك اليوم وهول مطلعه ما لا يخفى اللهم إنا نعوذ بك من ذلك ويجوز أن يكون انتصاب يوم على المفعولية بإضمار اذكروا وتود إما حال من كل نفس أو استئناف مبنى على السؤال أى اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضرا وادة أن بينها وبينه أمدا بعيدا أو كأن سائلا قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم فماذا يكون إذ ذاك فقيل تودلو أن بينها الخ أو تجد مقصور على ما عملت من خير وتود خبر ما عملت من سوء ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود وقرىء ودت فحينئذ يجوز كونها شرطية لكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنها حكاية حال ماضية وأوفق للقراءة المشهورة (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) تكرير لما سبق وإعادة له لكن لا للتأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عزوجل (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) من أن تحذيره تعالى من رأفته بهم ورحمته الواسعة أو أن رأفته بهم لا تمنع تحقيق ما حذرهموه من عقابه وأن تحذيره ليس مبنيا على تناسى صفة الرأفة بل هو متحقق مع تحققها أيضا كما فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) فالجملة على الأول اعتراض وعلى الثانى حال وتكرير الاسم الجليل لتربية المهابة (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) المحبة ميل النفس إلى الشىء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقى ليس إلا لله عزوجل وأن كل ما يراه كما لا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفى الله وذلك مقتضى إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم فى عبادته والحرص على مطاوعته (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) أى يرض عنكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أى يكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم فى جوار قدسه عبر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة أو المشاكلة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى لمن يتحبب إليه بطاعته ويتقرب إليه