(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩)
____________________________________
تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم وهو معنى قوله عليهالسلام كما تكونوا يول عليكم (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ونحوهما من أسباب المصادقة والمعاشرة كما فى قوله سبحانه يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء وقوله تعالى (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) حتى لا يكون حبهم ولا بغضهم إلا لله تعالى أو عن الاستعانة بهم فى الغزو وسائر الأمور الدينية (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فى موضع الحال أى متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالا أو اشتراكا وفيه إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأن فى موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أى اتخاذهم أولياء والتعبير عنه بالفعل للاختصار أو لإيهام الاستهجان بذكره (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أى من ولايته تعالى (فِي شَيْءٍ) يصح أن يطلق عليه اسم الولاية فإن موالاة المتعاديين مما لا يكاد يدخل تحت الوقوع قال [تود عدوى ثم تزعم أننى صديقك ليس النوك عنك بعازب] والجملة اعتراضية وقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) على صيغة الخطاب بطريق الالتفات استثناء مفرغ من أعم الأحوال والعامل فعل النهى معتبرا فيه الخطاب كأنه قيل لا تتخذوهم أولياء ظاهرا أو باطنا فى حال من الأحوال إلا حال اتقائكم (مِنْهُمْ) أى من جهتهم (تُقاةً) أى انقاء أو شيئا يجب اتقاؤه على أن المصدر واقع موقع المفعول فإنه يجوز إظهار الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من قشر العصا وإظهار ما فى الضمير كما قال عيسى عليهالسلام كن وسطا وامش جانبا وأصل تقاة وقيه ثم أبدلت الواو تاء كتخمة وتهمة وقلبت الياء ألفا وقرىء تقية (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أى ذاته المقدسة فإن جواز إطلاق لفظ النفس مرادا به الذات عليه سبحانه بلا مشاكلة مما لا كلام فيه عند المتقدمين وقد صرح بعض محققى المتأخرين بعدم الجواز وإن أريد به الذات إلا مشاكلة وفيه من التهديد ما لا يخفى عظمه وذكر النفس للإيذان بأن له عقابا هائلا لا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله ومحقق لوقوعه حتما (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) من الضمائر التى من جملتها ولاية الكفرة (أَوْ تُبْدُوهُ) فيما بينكم (يَعْلَمْهُ اللهُ) فيؤاخذكم بذلك عند مصيركم إليه وتقديم الإخفاء على الإبداء قد مر سره فى تفسير قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) وقوله تعالى (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كلام مستأنف غير معطوف على جواب الشرط وهو من باب إيراد العام بعد الخاص تأكيدا له وتقريرا (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على عقوبتكم بما لا مزيد عليه إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار لتربية المهابة وتهويل