(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (١٥٥)
____________________________________
أنفسهم توبة عن معصيتهم (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) أى بسبب ميثاقهم ليعطوه على ما روى أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله تعالى عليهم الطور فقبلوها أو ليخافوا فلا ينقضوه على ما روى أنهم هموا بنقضه فرفع الله تعالى عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقض وهو الأنسب بما سيأتى من قوله عزوجل (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (وَقُلْنا لَهُمُ) على لسان موسى عليهالسلام والطور مظل عليهم (ادْخُلُوا الْبابَ) قال قتادة كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس وقيل هو إيليا وقيل هو أريحا وقيل هو اسم قرية وقيل باب القبة التى كانوا يصلون إليها فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس فى حياة موسىعليهالسلام (سُجَّداً) أى متطامنين خاضعين (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا) أى لا تظلموا باصطياد الحيتان (فِي السَّبْتِ) وقرىء لا تعتدوا ولا تعدوا بفتح العين وتشديد الدال على أن أصله تعتدوا فأدغمت التاء فى الدال لتقاربهما فى المخرج بعد نقل حركتها إلى العين (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ) على الامتثال بما كلفوه (مِيثاقاً غَلِيظاً) مؤكدا وهو العهد الذى أخذه الله عليهم فى التوراة قيل إنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله تعالى يعذبهم بأى أنواع العذاب أراد (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) ما مزيدة للتأكيد أو نكرة تامة ونقضهم بدل منها والباء متعلقة بفعل محذوف أى فبسبب نقضهم ميثاقهم ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم أو على أعقابهم. روى أنهم اعتدوا فى السبت فى عهد داود عليهالسلام فلعنوا ومسخوا قردة وقيل متعلقة بحرمنا على أن قوله تعالى (فَبِظُلْمٍ) بدل من قوله تعالى (فَبِما) وما عطف عليه فيكون التحريم معللا بالكل ولا يخفى أن قولهم إنا قتلنا المسيح وقولهم على مريم البهتان متأخر عن التحريم ولا مساغ لتعلقها بما دل عليه قوله تعالى (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) لأنه رد لقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) فيكون من صلة قوله تعالى (وَقَوْلِهِمْ) المعطوف على المجرور فلا يعمل فى جاره (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) أى بالقرآن أو بما فى كتابهم (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) كزكريا ويحيى عليهماالسلام (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف أى هى مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم أو هو تخفيف غلف جمع غلاف أى هى أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره قاله ابن عباس وعطاء وقال الكلبى يعنون أن قلوبنا بحيث لا يصل إليها حديث إلا وعته ولو كان فى حديثك خير لوعته أيضا (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) كلام معترض بين المعطوفين جىء به على وجه الاستطراد مسارعة إلى رد زعمهم الفاسد أى ليس كفرهم وعدم وصول الحق إلى قلوبهم لكونها غلفا بحسب الجبلة بل الأمر بالعكس حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم أو ليست قلوبهم كما زعموا بل هى مطبوع عليها