(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨)
____________________________________
تربيتها بما يصلحها فى جميع أحوالها (نَباتاً حَسَناً) مصدر مؤكد للفعل المذكور بحذف الزوائد وقيل بل لفعل مضمر موافق له تقديره فنبتت نباتا حسنا (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أى جعله عليه الصلاة والسلام كافلا لها وضامنا لمصالحها قائما بتدبير أمورها لا على طريقة الوحى بل على ما ذكر من التفصيل فإن رغبته عليه الصلاة والسلام فى كفالتها وطفو قلمه ورسوب أقلامهم وغير ذلك من الأمور الجارية بينهم كلها من آثار قدرته تعالى وقرىء أكفلها وقرىء زكرياء بالنصب والمد وقرىء بتخفيف الفاء وكسرها ورفع زكرياء ممدودا وقرىء وتقبلها ربها وأنبتها وكفلها على صيغة الأمر فى الكل ونصب ربها على الدعاء أى فاقبلها يا ربها وربها تربية حسنة واجعل زكريا كافلا لها فهو تعيين لجهة التربية قيل بنى عليه الصلاة والسلام لها محرابا فى المسجد أى غرفة يصعد إليها بسلم وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت فى أشرف موضع من بيت المقدس وقيل كانت مساجدهم تسمى المحاريب. روى أنه كان لا يدخل عليها إلا هو وحده وإذا خرج غلق عليها سبعة أبواب (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) تقديم الظرف على الفاعل لإظهار كمال العناية بأمرها ونصب المحراب على التوسع وكلمة كلما ظرف على أن ما مصدرية والزمان محذوف أو نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف والعامل فيها جوابها أى كل زمان دخوله عليها أو كل وقت دخل عليها فيه (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) أى نوعا منه غير معتاد إذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها فى الصيف فاكهة الشتاء وفى الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط (قالَ) استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه الصلاة والصلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) أى من أين يجىء لك هذا الذى لا يشبه أرزاق الدنيا والأبواب مغلقة دونك وهو دليل على جواز الكرامة للأولياء ومن أنكرها جعل هذا إرهاصا وتأسيسا لرسالة عيسى عليه الصلاة والسلام وأما جعله معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام فيأباه اشتباه الأمر عليه عليهالسلام وإنما خاطبها عليه الصلاة والسلام بذلك مع كونها بمعزل من رتبة الخطاب لما علم بما شاهده أنها مؤيدة من عند الله تعالى بالعلم والقدرة (قالَتْ) استئناف كما قبله كأنه قيل فماذا صنعت مريم وهى صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب فقيل قالت (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فلا تعجب ولا تستبعد (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أن يرزقه (بِغَيْرِ حِسابٍ) أى بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا منه تعالى وهو تعليل لكونه من عند الله إما من تمام كلامهما فيكون فى محل النصب وإما من كلامه عزوجل فهو مستأنف روى أن فاطمة الزهراء رضى الله عنها أهدت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رغيفين وبضعة لحم فرجع بها إليها فقال هلمى يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فقال لها أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فقال عليه الصلاة والسلام الحمد لله الذى جعلك شبيهة بسيدة بنى إسرائيل ثم جمع عليا والحسن والحسين وجميع أهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين فأكلوا وشبعوا وبقى الطعام كما هو فأوسعت على جيرانها (هُنالِكَ) كلام مستأنف وقصة مستقلة سيقت فى تضاعيف