(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٤٠)
____________________________________
نوعا منه وقرىء يبشرك من الإبشار ويبشرك من الثلاثى وأيا ما كان ينبغى أن يكون هذا الكلام إلى آخره محكيا بعبارته عن الله عزوجل على منهاج قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) الآية كما يلوح به مراجعته عليه الصلاة والسلام فى الجواب إليه تعالى بالذات لا بواسطة الملك والعدول عن إسناد التبشير إلى نون العظمة حسبما وقع فى سورة مريم للجرى على سنن الكبرياء كما فى قول الخلفاء أمير المؤمنين يرسم لك بكذا وللإيذان بأن ما حكى هناك من النداء والتبشير وما يترتب عليه من المحاورة كان كل ذلك بتوسط الملك بطريق الحكاية عنه سبحانه لا بالذات كما هو المتبادر وبهذا يتضح اتحاد المعنى فى السورتين الكريمتين فتأمل ويحيى اسم أعجمى وإن جعل عربيا فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما إنما سمى يحيى لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه وقال قتادة لا نه تعالى أحيا قلبه بالإيمان قال القرطبى كان اسمه فى الكتاب الأول حيا ولا بد من تقدير مضاف يعود إليه الحال أى بولادة يحيى فإن التبشير لا يتعلق بالأعيان (مُصَدِّقاً) حال مقدرة من يحيى (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أى بعيسى عليه الصلاة والسلام وإنما سمى كلمة لأنه وجد بكلمة كن من غير أب فشابه البديعيات التى هى عالم الأمر ومن لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لكلمة أى بكلمة كائنة منه تعالى قيل هو أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروح منه وقال السدى لقيت أم يحيى أم عيسى فقالت يا مريم أشعرت بحبلى فقالت مريم وأنا أيضا حبلى قالت فإنى وجدت ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك فذلك قوله تعالى (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ) الخ وقال ابن عباس رضى الله عنهما إن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر وقيل بثلاث سنين وقتل قبل رفع عيسى عليهما الصلاة والسلام بمدة يسيرة وعلى كل تقدير يكون بين ولادة يحيى وبين البشارة بها زمان مديد لما أن مريم ولدت وهى بنت ثلاث عشرة سنة أو بنت عشر سنين وقيل بكلمة من الله أى بكتاب الله سمى كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته (وَسَيِّداً) عطف على مصدقا أى رئيسا يسود قومه ويفوقهم فى الشرف وكان فائقا للناس قاطبة فإنه لم يلم بخطيئة ولم يهم بمعصية فيالها من سيادة ما أسناها (وَحَصُوراً) عطف على ما قبله أى مبالغا فى حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة. روى أنه مر فى صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت (وَنَبِيًّا) عطف على ما قبله مترتب على ما عدد من الخصال الحميدة (مِنَ الصَّالِحِينَ) أى ناشئا منهم لأنه كان من أصلاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو كائنا من جملة المشهورين بالصلاح كما فى قوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) والمراد بالصلاح ما فوق الصلاح الذى لا بد منه فى منصب النبوة البتة من أقاصى مراتبه وعليه مبنى دعاء سليمان عليهالسلام وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين (قالَ) استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه الصلاة والسلام حينئذ فقيل قال (رَبِّ) لم يخاطب الملك المنادى له بملابسة أنه المباشر للخطاب وإن كان ذلك بطريق الحكاية عنه تعالى بل جرى على نهج دعائه السابق مبالغة فى التضرع والمناجاة وجدا فى التبتل إليه تعالى واحترازا عما عسى يوهم