(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٤١)
____________________________________
خطاب الملك من توهم أن علمه سبحانه بما يصدر عنه يتوقف على توسطه كما يتوقف وقوف البشر على ما يصدر عنه سبحانه على توسطه فى عامة الأحوال وإن لم يتوقف عليه فى بعضها (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) فيه دلالة على أنه قد أخبر بكونه غلاما عند التبشير كما فى قوله تعالى (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) وأنى بمعنى كيف أو من أين وكان تامة وأنى واللام متعلقتان بها وتقديم الجار على الفاعل لما مر مرارا من الاعتناء بما قدم والتشويق إلى ما أخر أى كيف أو من أين يحدث لى غلام ويجوز أن تتعلق اللام بمحذوف وقع حالا من غلام إذ لو تأخر لكان صفة له أو ناقصة واسمها ظاهر وخبرها إما أنى واللام متعلقة بمحذوف كما مر أو هو الخبر وأنى منصوب على الظرفية (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) حال من ياء المتكلم أى أدركنى كبر السن وأثر فى كقولهم أدركته السن وأخذته السن وفيه دلالة على أن كبر السن من حيث كونه من طلائع الموت طالب للإنسان لا يكاد يتركه قيل كان له تسع وتسعون سنة وقيل اثنتان وتسعون وقيل مائة وعشرون وقيل ستون وقيل خمس وستون وقيل سبعون وقيل خمس وسبعون وقيل خمس وثمانون ولامرأته ثمان وتسعون (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) أى ذات عقر وهو أيضا حال من ياء لى عند من يجوز تعدد الحال أو من ياء بلغنى أى كيف يكون لى ذلك والحال أنى وامرأتى على حالة منافية له كل المنافاة وإنما قاله عليه الصلاة والسلام مع سبق دعائه بذلك وقوة يقينه بقدرة الله تعالى عليه لا سيما بعد مشاهدته عليه الصلاة والسلام للشواهد السالفة استعظاما لقدرة الله سبحانه وتعجيبا منها واعتدادا بنعمته عزوجل عليه فى ذلك لا استبعادا له وقيل بل كان ذلك للاستبعاد حيث كان بين الدعاء والبشارة ستون سنة وكان قد نسى دعاءه وهو بعيد وقيل كان ذلك استفهاما عن كيفية حدوثه (قالَ) استئناف كما سلف (كَذلِكَ) إشارة إلى مصدر يفعل فى قوله عزوجل (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أى ما يشاء أن يفعله من تعاجيب الأفاعيل الخارقة للعادات فالله مبتدأ ويفعل خبره والكاف فى محل النصب على أنها فى الأصل نعت لمصدر محذوف أى الله يفعل ما يشاء أن يفعله فعلا مثل ذلك الفعل العجيب والصنع البديع الذى هو خلق الولد من شيخ فان وعجوز عاقر فقدم على العامل لإفادة القصر بالنسبة إلى ما هو أدنى من المشار إليه واعتبرت الكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أو على أنها حال من ضمير المصدر المقدر معرفة أى يفعل الفعل كائنا مثل ذلك أو فى محل الرفع على أنها خبر والجلالة مبتدأ أى على نحو هذا الشأن البديع شأن الله تعالى ويفعل ما يشاء بيان لذلك الشأن المبهم أو كذلك خبر لمبتدأ محذوف أى الأمر كذلك وقوله تعالى (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) بيان له (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أى علامة تدلنى على تحقق المسئول ووقوع الحبل وإنما سألها لأن العلوق أمر خفى لا يوقف عليه فأراد أن يطلعه الله تعالى عليه ليتلقى تلك النعمة الجليلة من حين حصولها بالشكر ولا