(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٤٢)
____________________________________
يؤخره إلى أن يظهر ظهورا معتادا ولعل هذا السؤال وقع بعد البشارة بزمان مديد إذ به يظهر ما ذكر من كون التفاوت بين سنى يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر أو بثلاث سنين لأن ظهور العلامة كان عقيب تعيينها لقوله تعالى فى سورة مريم (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) الآية اللهم إلا أن تكون المجاوبة بين زكريا ومريم فى حالة كبرها وقد عدت من جملة من تكلم فى الصغر بموجب قولها المحكى والجعل إبداعى واللام متعلقة به والتقديم لما مر مرارا من الاعتناء بما قدم والتشويق إلى ما أخر أو بمحذوف وقع حالا من آية وقيل هو بمعنى التصيير المستدعى لمفعولين أولهما آية وثانيهما لى والتقديم لأنه لا مسوغ لكون آية مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الجار فلا يتغير حالهما بعد دخول الناسخ (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) أى أن لا تقدر على تكليمهم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) أى متوالية لقوله تعالى فى سورة مريم (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) مع القدرة على الذكر والتسبيح وإنما جعلت آيته ذلك لتخليص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاء لحق النعمة كأنه قيل آية حصول المطلوب ووصول النعمة أن تحبس لسانك إلا عن شكرها وأحسن الجواب ما اشتق من السؤال (إِلَّا رَمْزاً) أى إشارة بيد أو رأس أو نحوهما وأصله التحرك يقال ارتمز أى تحرك ومنه قيل للبحر الراموز وهو استثناء منقطع لأن الإشارة ليست من قبيل الكلام أو متصل على أن المراد بالكلام ما فهم منه المرام ولا ريب فى كون الرمز من ذلك القبيل وقرىء رمزا بفتحتين على أنه جمع رامز كخدم وبضمتين على أنه جمع رموز كرسل على أنه حال منه ومن الناس معا بمعنى مترامزين كقوله[متى ما تلقنى فردين ترجف روانف أليتيك وتستطارا] (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) أى فى أيام الحبسة شكرا لحصول التفضل والإنعام كما يؤذن به التعرض لعنوان الربوبية (كَثِيراً) أى ذكرا كثيرا أو زمانا كثيرا (وَسَبِّحْ) أى سبحه تعالى أو افعل التسبيح (بِالْعَشِيِّ) أى من الزوال إلى الغروب وقيل من العصر إلى ذهاب صدر الليل (وَالْإِبْكارِ) من طلوع الفجر إلى الضحى. قيل المراد بالتسبيح الصلاة بدليل تقييده بالوقت كما فى قوله تعالى (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) وقيل الذكر اللسانى كما أن المراد بالذكر الذكر القلبى وقرىء الأبكار بفتح الهمزة على أنه جمع بكر كسحر وأسحار (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) شروع فى شرح بقية أحكام اصطفاء آل عمران إثر الإشارة إلى نبذ من فضائل بعض أقاربهم أعنى زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام لاستدعاء المقام إياهما حسبما أشير إليه وقرىء بتذكير الفعل والمراد بالملائكة جبريل عليه الصلاة والسلام وقد مر ما فيه من الكلام وإذ منصوب بمضمر معطوف على المضمر السابق عطف القصة على القصة وقيل معطوف على الظرف السابق أعنى قوله إذ قالت امرأة عمران منصوب بناصبه فتدبر أى واذكر أيضا من شواهد اصطفائهم وقت قول الملائكة عليهم الصلاة والسلام (يا مَرْيَمُ) وتكرير التذكير للإشعار بمزيد الاعتناء بما يحكى من أحكام الاصطفاء والتنبيه على استقلالها وانفرادها عن الأحكام السابقة فإنها من أحكام التربية الجسمانية اللائقة بحال صغر مريم وهذه من باب التربية