(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥)
____________________________________
والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب وقوله تعالى (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) جملة مستقلة مبينة للأولى وقيل الخبر هو الجملة الثانية ومن أنباء الغيب إما متعلق بنوحيه أو حال من ضميره أى نوحى من أنباء الغيب أو نوحيه حال كونه من جملة أنباء الغيب وصيغة الاستقبال للإيذان بأن الوحى لم ينقطع بعد (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أى عند الذين اختلفوا وتنازعوا فى تربية مريم وهو تقرير وتحقيق لكونه وحيا على طريقة التهكم بمنكريه كما فى قوله تعالى (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) الآية (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) الآية فإن طريق معرفة أمثال هاتيك الحوادث والواقعات إما المشاهدة وإما السماع وعدمه محقق عندهم فبقى احتمال المعاينة المستحيلة ضرورة فنفيت تهكما بهم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) ظرف للاستقرار العامل فى لديهم وأقلامهم أقداحهم التى اقترعوا بها وقيل اقترعوا بأقلامهم التى كانوا يكتبون بها التوراة تبركا (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) متعلق بمحذوف دل عليه يلقون أقلامهم أى يلقونها ينظرون أو ليعلموا أيهم يكفلها (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أى فى شأنها تنافسا فى كفالتها حسبما ذكر فيما سبق وتكرير ما كنت لديهم مع تحقق المقصود بعطف إذ يختصمون على إذ يقولون كما فى قوله عزوجل (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) للدلالة على أن كل واحد من عدم حضوره عليه الصلاة والسلام عند إلقاء الأقلام وعدم حضوره عند الاختصام مستقل بالشهادة على نبوته عليه الصلاة والسلام لا سيما إذا أريد باختصامهم تنازعهم قبل الاقتراع فإن تغيير الترتيب فى الذكر مؤكد له. (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) شروع فى قصة عيسى عليه الصلاة والسلام وهو بدل من وإذ قالت الملائكة منصوب بناصبه وما بينهما اعتراض جىء به تقريرا لما سبق وتنبيها على استقلاله وكونه حقيقا بأن يعد على حياله من شواهد النبوة وترك العطف بينهما بناء على اتحاد المخاطب والمخاطب وإيذانا بتقارن الخطابين أو تقاربهما فى الزمان وقيل منصوب بمضمر معطوف على ناصبه وقيل بدل من إذ يختصمون كأنه قيل وما كنت حاضرا فى ذلك الزمان المديد الذى وقع فى طرف منه الاختصام وفى طرف آخر هذا الخطاب إشعارا بإحاطته عليه الصلاة والسلام بتفاصيل أحوال مريم من أولها إلى آخرها والقائل جبريل عليه الصلاة والسلام وإيراد صيغة الجمع لما مر (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) من لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لكلمة أى بكلمة كائنة منه عزوجل (اسْمُهُ) ذكر الضمير الراجع إلى الكلمة لكونها عبارة عن مذكر وهو مبتدأ خبره (الْمَسِيحُ) وقوله تعالى (عِيسَى) بدل منه أو عطف بيان وقيل خبر آخر وقيل خبر مبتدأ محذوف وقيل منصوب بإضمار أعنى مدحا وقوله تعالى (ابْنُ مَرْيَمَ) صفة لعيسى وقيل المراد بالاسم ما به يتميز المسمى عمن سواه فالخبر حينئذ مجموع الثلاثة إذ هو المميز له عليه الصلاة والسلام تمييزا عن جميع من عداه والمسيح لقبه عليه الصلاة والسلام وهو من الألقاب