(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٩٠)
____________________________________
(قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) قيل هم عشرة رهط ارتدوا بعد ما آمنوا ولحقوا بمكة وقيل هم يهود قريظة والنضير ومن دان بدينهم كفروا بالنبى صلىاللهعليهوسلم بعد أن كانوا مؤمنين به قبل مبعثه (وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) استبعاد لأن يهديهم الله تعالى فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك فى الضلال بعيد عن الرشاد وقيل نفى وإنكار له وذلك يقتضى أن لا تقبل توبة المرتد وقوله تعالى (وَشَهِدُوا) عطف على (إِيمانِهِمْ) باعتبار انحلاله إلى جملة فعليه كما فى قوله تعالى (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ) الخ فإنه فى قوة أن يقال بعد أن آمنوا أو حال من ضمير كفروا بإضمار قد وهو دليل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أى الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه والجملة اعتراضية أو حالية (أُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما مر من الصفات الشنيعة وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا وهو مبتدأ وقوله تعالى (جَزاؤُهُمْ) مبتدأ ثان وقوله تعالى (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) خبره والجملة خبر لأولئك وهذا يدل بمنطوقه على جواز لعنهم وبمفهومه ينفى جواز لعن غيرهم ولعل الفرق بينهم وبين غيرهم أنهم مطبوع على قلوبهم ممنوعون عن الهدى آيسون من الرحمة رأسا بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو الكل فإن الكافر أيضا يلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه (خالِدِينَ فِيها) فى اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم تذكر لدلالة الكلام عليها (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أى يمهلون (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أى من بعد الارتداد (وَأَصْلَحُوا) أى ما أفسدوا أو دخلوا فى الصلاح (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيقبل توبتهم ويتفضل عليهم وهو تعليل لما دل عليه الاستثناء وقيل نزلت فى الحرث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن يسألوا هل لى من توبة فأرسل إليه أخوه الحلاس الآية فرجع إلى المدينة فتاب (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) كاليهود كفروا بعيسى عليهالسلام والإنجيل بعد الإيمان بموسى عليهالسلام والتوراة ثم ازدادوا كفرا حيث كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن أو كفروا به عليهالسلام بعد ما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار عليه والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق أو كقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص به ريب المنون أو نرجع إليه فننافقه بإظهار الإيمان (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) لأتهم لا يتوبون إلا عند إشرافهم على الهلاك فكنى عن