(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩)
____________________________________
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) من تمام مقالة الراسخين أى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه قال صلىاللهعليهوسلم قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه وقيل معناه لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) أى إلى الحق والتأويل الصحيح أو إلى الإيمان بالقسمين وبعد نصب بلا تزغ على الظرف وإذ فى محل الجر بإضافته إليه خارج من الظرفية أى بعد وقت هدايتك إيانا وقيل إنه بمعنى أن (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ) كلا الجارين متعلق بهب وتقديم الأول لما مر مرارا ويجوز تعلق الثانى بمحذوف هو حال من المفعول أى كائنة من لدنك ومن لابتداء الغاية المجازية ولدن فى الأصل ظرف بمعنى أول غاية زمان أو مكان أو غيرهما من الذوات نحو من لدن زيد وليست مرادفة لعند إذ قد تكون فضلة وكذا لدى وبعضهم يخصها بظرف المكان وتضاف إلى صريح الزمان كما فى قوله[تنتفض الرعدة فى ظهيرى من لدن الظهر إلى العصير] ولا تقطع عن الإضافة بحال وأكثر ما تضاف إلى المفردات وقد تضاف إلى أن وصلتها كما فى قوله[ولم تقطع أصلا من لدن أن وليتنا قرابة ذى رحم ولا حق مسلم] أى من لدن ولايتك إيانا وقد تضاف إلى الجملة الاسمية كما فى قوله [تذكر نعماه لدن أنت يافع] وإلى الجملة الفعلية أيضا كما فى قوله[لزمنا لدن سالمتمونا وفاتكم فلا يك منكم للخلاف جنوح] وقلما تخلو عن من كما فى البيتين الأخيرين (رَحْمَةً) واسعة تزلفنا إليك ونفوز بها عندك أو توفيقا للثبات على الحق وتأخير المفعول الصريح عن الجارين لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة لوروده لا سيما عند الإشعار بكونه من المنافع باللام فإذا أورده يتمكن عندها فضل تمكن (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) تعليل للسؤال أو لإعطاء المسئول وأنت إما مبتدأ أو فصل أو تأكيد لاسم إن وإطلاق الوهاب ليتناول كل موهوب وفيه دلالة على أن الهدى والضلال من قبله تعالى وأنه متفضل بما ينعم به على عباده من غير أن يجب عليه شىء (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) أى الحساب يوم أو الجزاء يوم حذف المضاف وأقيم مقامه المضاف إليه تهويلا له وتفظيعا لما يقع فيه (لا رَيْبَ فِيهِ) أى فى وقوعه ووقوع ما فيه من الحشر والحساب والجزاء ومقصودهم بهذا عرض كمال افتقارهم إلى الرحمة وأنها المقصد الأسنى عندهم والتأكيد لإظهار ما هم عليه من كمال الطمأنينة وقوة اليقين بأحوال الآخرة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) تعليل لمضمون الجملة المؤكدة أو لانتفاء الريب والتأكيد لما مر وإظهار الاسم الجليل مع الالتفات لإبراز كمال التعظيم والإجلال الناشىء من ذكر اليوم المهيب الهائل بخلاف ما فى آخر السورة الكريمة فإنه مقام طلب الإنعام كما سيأتى وللإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية منافية للإخلاف وقد جوز أن تكون الجمله مسوقة من جهته تعالى لتقرير قول الراسخين والميعاد مصدر كالميقات واستدل به الوعيدية