(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩)
____________________________________
الحال وإنما يفعلون ما يفعلون مكابرة وعنادا وقوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) الخ كلام مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته عزوجل وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه تعالى قادر على تنزيل الآية وإنما لا ينزلها محافظة على الحكم البالغة وزيادة من لتأكيد الاستغراق وفى متعلقة بمحذوف هو وصف لدابة مفيد لزيادة التعميم كأنه قيل وما فرد من أفراد الدواب يستقر فى قطر من أقطار الأرض وكذا زيادة الوصف فى قوله تعالى (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) مع ما فيه من زيادة التقرير أى ولا طائر* من الطيور يطير فى ناحية من نواحى الجو بجناحيه كما هو المشاهد المعتاد وقرىء ولا طائر بالرفع عطفا على محل الجار والمجرور كأنه قيل وما دابة ولا طائر (إِلَّا أُمَمٌ) أى طوائف متخالفة والجمع باعتبار المعنى كأنه* قيل وما من دواب ولا طير إلا أمم (أَمْثالُكُمْ) أى كل أمة منها مثلكم فى أن أحوالها محفوظة وأمورها* مقننة ومصالحها مرعية جارية على سنن السداد ومنتظمة فى سلك التقديرات الإلهية والتدبيرات الربانية* (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) يقال فرط الشىء أى ضيعه وتركه قال ساعدة بن حوية معه سقاء لا يفرط* حمله أى لا يتركه ولا يفارقه ويقال فرط فى الشىء أى أهمل ما ينبغى أن يكون فيه وأغفله فقوله تعالى (فِي الْكِتابِ) أى فى القرآن على الأول ظرف لغو وقوله تعالى (مِنْ شَيْءٍ) مفعول ل (فَرَّطْنا) ومن مزيدة للاستغراق أى ما تركنا فى القرآن شيئا من الأشياء المهمة التى من جملتها بيان أنه تعالى مراع لمصالح جميع مخلوقاته على ما ينبغى وعلى الثانى مفعول للفعل ومن شىء فى موضع المصدر أى ما جعلنا الكتاب مفرطا فيه شيئا من التفريط بل ذكرنا فيه كل ما لا بد من ذكره وأيا ما كان فالجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها وقيل الكتاب اللوح فالمراد بالاعتراض الإشارة إلى أن أحوال الأمم مستقصاة فى اللوح المحفوظ غير مقصورة على هذا القدر الجمل وقرىء فرطنا بالتخفيف وقوله تعالى (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) بيان لأحوال الأمم* المذكورة فى الآخرة بعد بيان أحوالها فى الدنيا وإيراد ضميرها على صيغة جمع العقلاء لإجرائها مجراهم والتعبير عنها بالأمم أى إلى مالك أمورهم يحشرون يوم القيامة كدأبكم لا إلى غيره فيجازيهم فينصف بعضهم من بعض حتى يبلغ من عدله أن يأخذ للجماء من القرناء وقيل حشرها موتها ويأباه مقام تهويل الخطب وتفظيع الحال وقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) متعلق بقوله تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) والموصول عبارة عن المعهودين فى قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الآيات ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أى أوردنا فى القرآن جميع الأمور المهمة وأزحنا به العلل والأعذار والذين كذبوا بآياتنا