(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥١)
____________________________________
احذرهم مخافة أن يفتنوك وإعادة ما أنزل الله لتأكيد التحذير بتهويل الخطب. روى أن أحبار اليهود قالوا اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه فذهبوا إليه صلىاللهعليهوسلم وقالوا يا أبا القاسم قد عرفت أنا أحبار اليهود وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم وأن بيننا وبين قومنا خصوصة فنتحاكم إليك فتقضى لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أى أعرضوا عن الحكم بما* أنزل الله تعالى وأرادوا غيره (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) أى بذنب توليهم عن* حكم الله عزوجل وإنما عبر عنه بذلك إيذانا بأن لهم ذنوبا كثيرة هذا مع كمال عظمه واحد من جملتها وفى هذا الإبهام تعظيم للتولى كما فى قول لبيد [أو يرتبط بعض النفوس حمامها] يريد به نفسه أى نفسا كبيرة ونفسا أى نفس (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) أى متمردون فى الكفر مصرون عليه* خارجون عن الحدود المعهودة وهو اعتراض تذييلى مقرر؟؟؟ (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أيتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجيب لأن التولى عن حكمه صلىاللهعليهوسلم وطلب حكم آخر منكر عجيب وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب والمراد بالجاهلية إما الملة الجاهلية التى هى متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة فى الأحكام فيكون تعييرا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم يبغون حكم الجاهلية التى هى هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحى وإما أهل الجاهلية وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى حيث روى أن بنى النضير لما تحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى خصومة قتل وقعت بينهم وبين بنى قريظة طلبوا إليه صلىاللهعليهوسلم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل فقال صلىاللهعليهوسلم القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت وقرىء برفع الحكم على أنه مبتدأ ويبغون خبره والراجع محذوف حذفه فى قوله تعالى (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) وقد استضعف ذلك فى غير الشعر وقرىء بقاء الخطاب إما بالالتفات لتشديد التوبيخ وإما بتقدير القول أى قل لهم أفحكم الخ وقرىء بفتح الحاء والكاف أى أفحاكما كحكام الجاهلية يبغون (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساوله وإن كان* ظاهر السبك غير متعرض لنفى المساواة وإنكارها وقد مر تفصيله فى تفسير قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أى عندهم واللام كما فى هيت لك أى هذا الاستفهام لهم فإنهم الذين* يتدبرون الأمور بأنظارهم فيعلمون يقينا أن حكم الله عزوجل أحسن الأحكام وأعدلها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم وإن كان سبب وروده بعضا منهم كما سيأتى