(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (١١١)
____________________________________
والأبصار ومعرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره بأن يقلب الله سبحانه مشاعرهم عن الحق مع توجههم إليه واستعدادهم له بطريق الإجبار بل بأن يخليهم وشأنهم بعد ما علم فساد استعدادهم وفرط نفورهم عن الحق وعدم تأثير اللطف فيهم أصلا ويطبع على قلوبهم حسبما يقتضيه استعدادهم كما أشرنا إليه وقوله تعالى* (فِي طُغْيانِهِمْ) متعلق ب (نَذَرُهُمْ) وقوله تعالى (يَعْمَهُونَ) حال من الضمير المنصوب فى (نَذَرُهُمْ) أى ندعهم فى طغيانهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين أو مفعول ثان ل (نَذَرُهُمْ) أى نصيرهم عامهين وقرىء يقلب ويذر بالياء على إسنادهما إلى ضمير الجلالة وقرىء تقلب بالتاء والبناء للمفعول على إسناده إلى (أَفْئِدَتَهُمْ) (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) تصريح بما أشعر به قوله عزوجل (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) من الحكمة الداعية إلى ترك الإجابة إلى ما اقترحوه من الآيات إثر بيان أنها فى حكمه تعالى وقضائه المبنى على الحكم البالغة لا مدخل لأحد فى أمرها بوجه من الوجوه وبيان لكذبهم فى أيمانهم الفاجرة على أبلغ وجه وآكده أى ولو أننا لم نقتصر على إيتاء ما اقترحوه ههنا من آية واحدة من الآيات بل نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه* بقولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) وقولهم (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) وشهدوا بحقية الإيمان بعد أن* أحييناهم حسبما اقترحوه بقولهم (فَأْتُوا بِآبائِنا (وَحَشَرْنا) أى جمعنا (عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) بضمتين وقرىء بسكون الباء أى كفلاء بصحة الأمر وصدق النبى صلىاللهعليهوسلم على أنه جمع قبيل بمعنى الكفيل كرغيف ورغف وقضيب وقضب وهو الأنسب بقوله تعالى (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) أى لو لم نقتصر على ما اقترحوه بل زدنا على ذلك بأن أحضرنا لديهم كل شىء يتأتى منه الكفالة والشهادة بما ذكر لا فرادى بل بطريق المعية أو جماعات على أنه جمع قبيل وهو جمع قبيلة وهو الأوفق لعموم كل شىء وشموله للأنواع والأصناف أى حشرنا كل شىء نوعا نوعا وصنفا صنفا وفوجا فوجا وانتصابه على الحالية وجمعيته باعتبار الكل المجموعى اللازم للكل الإفرادى أو مقابلة وعيانا على أنه مصدر كقبلا وقد قرىء كذلك وانتصابه على الوجهين على أنه مصدر فى موقع الحال وقد نقل عن المبرد وجماعة من أهل اللغة أن الأخير بمعنى الجهة كما فى قولك لى قبل* فلان حق وأن انتصابه على الظرفية (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أى ما صح وما استقام لهم الإيمان لتماديهم فى العصيان وغلوهم فى التمرد والطغيان وأما سبق القضاء عليهم بالكفر فمن الأحكام المترتبة على ذلك حسبما ينبىء* عنه قوله عزوجل (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وقوله تعالى (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة أى ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماع ما ذكر من الأمور الموجبة للإيمان فى حال من الأحوال الداعية إليه المتممة لموجباته المذكورة إلا فى حال مشيئته تعالى لإيمانهم أو من أعم العلل أى ما كانوا ليؤمنوا لعلة من العلل المعدودة وغيرها إلا لمشيئته تعالى له وأيا ما كان فليس المراد بالاستثناء بيان أن إيمانهم على خطر الوقوع بناء على كون مشيئته