(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١١٢)
____________________________________
تعالى أيضا كذلك بل بيان استحالة وقوعه بناء على استحالة وقوعها كأنه قيل ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وهيهات ذلك وحالهم حالهم بدليل ما سبق من قوله تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) الآية كيف لا وقوله عزوجل (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) استدراك من مضمون الشرطية بعد ورود الاستثناء لا قبله ولا* ريب فى أن الذى يجهلونه سواء أريد بهم المسلمون وهو الظاهر أو المقسمون ليس عدم إيمانهم بلا مشيئة الله تعالى كما هو اللازم من حمل النظم الكريم على المعنى الأول فإنه ليس مما يعتقده الأولون ولا مما يدعيه الآخرون بل إنما هو عدم إيمانهم لعدم مشيئته إيمانهم ومرجعه إلى جهلهم بعدم مشيئته إياه فالمعنى أن حالهم كما شرح ولكن أكثر المسلمين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى (وَما يُشْعِرُكُمْ) الخ على القراءة المشهورة أو ولكن أكثر المشركين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم حينئذ فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يكاد يكون فالجملة على القراءة السابقة بيان مبتدأ لمنشأ خطأ المقسمين ومناط إقسامهم وتقرير له على قراءة لا تؤمنون بالتاء الفوقانية وكذا على قراءة وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) كلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما كان يشاهده من عداوة قريش له عليه الصلاة والسلام وما بنوا عليها مما لا خير فيه من الأقاويل والأفاعيل ببيان أن ذلك ليس مختصا بك بل هو أمر ابتلى به كل من سبقك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أشير إليه بذلك منصوب بفعله المحذوف مؤكد لما بعده وذلك إشارة إلى ما يفهم مما قبله أى جعلنا لكل نبى عدوا والتقديم على الفعل المذكور للقصر المفيد للمبالغة أى مثل ذلك الجعل الذى جعلنا فى حقك حيث جعلنالك عدوا يضادونك ويضادونك ولا يؤمنون ويبغونك الغوائل ويدبرون فى إبطال أمرك مكايد جعلنا لكل نبى تقدمك عدوا فعلوا بهم ما فعل بك أعداؤك لا جعلا أنقص منه وفيه دليل على أن عداوة الكفرة للأنبياء عليهمالسلام بخلقه تعالى للابتلاء (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) أى مردة الفريقين على أن الإضافة بمعنى من البيانية وقيل هى إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل الإنس والجن الشياطين وقيل هى بمعنى اللام أى الشياطين التى للإنس والتى للجن وهو بدل من (عَدُوًّا) والجعل متعد إلى واحد أو إلى اثنين وهو أول مفعوليه قدم عليه الثانى مسارعة إلى بيان العداوة واللام على التقديرين متعلقة بالجعل أو بمحذوف هو حال من عدوا وقوله تعالى (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان أحكام عداوتهم وتحقيق وجه الشبه بين المشبه والمشبه به أو حال من الشياطين أو نعت لعدوا وجمع الضمير باعتبار المعنى فإنه عبارة عن الأعداء كما فى قوله[إذا أنالم أنفع صديقى بوده * فإن عدوى لم يضر همو بغضى] والوحى عبارة عن الإيماء والقول السريع أى يلقى