(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤)
____________________________________
* وبوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس أو بعض كل من الفريقين إلى بعض آخر (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) * أى المموه منه المزين ظاهره الباطل باطنه من زخرفه إذا زينه (غُرُوراً) مفعول له ل (يُوحِي) أى ليغروهم أو مصدر فى موقع الحال أى غارين أو مصدر مؤكد لفعل مقدر هو حال من فاعل (يُوحِي) أى يغرون* غرورا (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) رجوع إلى بيان الشئون الجارية بينه صلىاللهعليهوسلم وبين قومه المفهومة من حكاية ما جرى بين الأنبياء عليهمالسلام وبين أممهم كما ينبىء عنه الالتفات والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم المعربة عن كمال اللطف فى التسلية أى ولو شاء ربك عدم الأمور المذكورة لا إيمانهم كما قيل فإن القاعدة المستمرة أن مفعول المشيئة إنما يحذف عند وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء* وهو قوله تعالى (ما فَعَلُوهُ) أى ما فعلوا ما ذكر من عداوتك وإيحاء بعضهم إلى بعض مزخرفات الأقاويل* الباطلة المتعلقة بأمرك خاصة لا بما يعمه وأمور الأنبياء عليهمالسلام أيضا كما قيل فإن قوله تعالى (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) صريح فى أن المراد بهم الكفرة المعاصرون له عليه الصلاة والسلام أى إذا كان ما فعلوه من أحكام عداوتك من فنون المفاسد بمشيئته تعالى فاتركهم وافتراءهم أو وما يفترونه من أنواع المكايد فإن لهم فى ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته تعالى على الحكم البالغة البتة (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ) أى إلى زخرف القول وهو على الوجه الأول علة أخرى للإيجاء معطوفة على غرورا وما بينهما اعتراض وإنما لم ينصب لفقد شرطه إذ الغرور فعل الموحى وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه أى يوحى* بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل إليه (أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) إنما خص بالذكر عدم إيمانهم بالآخرة دون ما عداها من الأمور التى يجب الإيمان بها وهم بها كافرون إشعارا بما هو المدار فى صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم فإن لذات الآخرة محفوفة فى هذه النشأة بالمكاره وآلامها مزينة بالشهوات فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ودون هذه الشهوات آلاما وإنما ينظرون إلى ما بدالهم فى الدنيا بادى الرأى فهم مضطرون إلى حب الشهوات التى من جملها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها وأما على الوجهين الأخيرين فهو علة لفعل محذوف يدل عليه المقام أى ولكون ذلك جعلنا ما* جعلنا والمعتزلة جعلوا اللام لام العاقبة أو لام القسم أو لام الأمر وضعفه فى غاية الظهور (وَلِيَرْضَوْهُ) * لأنفسم بعد ما مالت إليه أفئدتهم (وَلِيَقْتَرِفُوا) أى يكتسبوا بموجب ارتضائهم له (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) له من القبائح التى لا يليق ذكرها (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) كلام مستأنف وارد على إرادة القول والهمزة